تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٣٦
لو ظهرت لأضاءت منها الدنيا أو نحو من هذا، ويمكن الجواب بأن المراد تقريب الأمر لفهم السائل وإيضاح الحال بما يفهمه أو بيان نورها في نفسها لا الأعم منه ومما يحصل فيها من أنوار سكانها الحوار العين وغيرهم.
نعم نورها في نفسها أتم من نور الدنيا قبل طلوع الشمس كما يومىء إليه ما أخرجه ابن ماجه عن أسامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها أي لا عدل ولا مثل وهي ورب الكعبة نور يتلألأ " الحديث، ويجوز حمل الظلال جمع ظل هنا على المعنى وجمعه للتعدد الاعتباري، ويجوز حمل الظل على العزة والمناعة فإنه قد يعبر به عن ذل وبهذا فسر الراغب قوله تعالى: * (إن المتقين في ظلال وعيون) * (المرسلات: 41) وهو غير معنى الوقاية عن مظان الألم الذي ذكره الإمام، ويجوز حمله على أنه جمع ظلة على الستور التي تكون فوق الرأس من سقف وشجر ونحوهما ووجود ذلك في الجنة مما لا شبهة فيه فقد جاء في الكتاب وصح في السنة أن فيها غرفا وهي ظاهرة فيما كان ذا سقف بل صرح في بعض الأخبار بالسقف وجاء فيها أيضا ما هو ظاهر في أن فيها شجرا مرتفعا يظل من تحته، وقد صح من رواية الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها فاقرؤا إن شئتم * (وظلم ممدود) * " وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام في كل نواحيها يخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها الخبر، وابن الأثير يقول: معنى في ظلها في ذراها وناحيتها، وكان هذا لدفع أنها تظل من الشمس أو نحوها، و * (الأرائك) * جمع أريكة وهو السرير في قول، وقيل: الوسادة حكاه الطبرسي. وقال الزهري: كل ما اتكىء عليه فهو أريكة، وقال ابن عباس: لا تكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة فإن كان سرير بغير حجلة لا تكون أريكة وإن كانت حجلة بغير سرير لم تكن أريكة فالسرير والحجلة أريكة. وفي " حادي الأرواح " لا تكون أريكة إلا أن يكون السرير في الحجلة وأن يكن على السرير فراش، وفي " الصحاح الأريكة " سرير منجد مزين في قبة أو بيت، وقال الراغب: الأريكة حجلة على سرير والجمع أرائك، وتسميتها بذلك إما لكونها في الأرض متخذة من أراك وهو شجر معروف أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم أرك بالمكان أروكا، وأصل الأروك الإقامة على رعي الأراك ثم تجوز به في غيره من الإقامات.
وبالجملة إن كلام الأكثرين يدل على أن السرير وحده لا يسمى أريكة نعم يقال للمتكىء على أريكة متكىء على سرير فلا منافاة بين ما هنا وقوله تعالى: * (متكئين على سرر مصفوفة) * (الطور: 20) لجواز أن تكون في السرر في الحجال فتكون أرائك، ويجوز أن يقال: إن أهل الجنة تارة يتكئون على الأرائك وأخرى يتكئون على السرر التي ليست بارائك، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما ورد في وصف سررهم رزقنا الله تعالى وإياكم الجلوس على هاتيك السرر والاتكاء مع الأزواج على الأرائك، والظاهر أن المراد بالأزواج أزواجهم المؤمنات اللاتي كن لهم في الدنيا، وقيل أزواجهم اللاتي متن ولم يتزوجن في الدنيا فزوجهن الله تعالى في الجنة من شاء من عباده بل الأعم من ذلك كله ومن المؤمنات اللاتي تزوجن في الدنيا بأزواج ماتوا كفارا فأدخلوا النار مخلدين فيها وأدخلن الجنة كامرأة فرعون فقد جاء في الأخبار أنها تكون زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم وجوز أن يكون المراد بأزواجهم أشكالهم في الإحسان وأمثالهم في الايمان كما قال سبحانه: * (وآخر من شكله أزواج) * وقريب منه ما قيل
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»