من الأشياء على أنه مفعول به على الحذف والإيصال * (ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) * أي إلا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصي فالكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد أو إلا بما كنتم تعملونه أي بمقابلته أو بسببه، وقيل: لا تجزوم إلا نفس ما كنتم تعملونه بأن يظهر بصورة العذاب، وهذا حكاية عهما يقال للكافرين حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم، واستظهر أبو حيان أن الخطاب يعم المؤمنين بأن يكون الكلام إخبارا من الله تعالى عما لأهل المحشر على العموم كما يشير إليه تنكير * (نفس) * واختاره السكاكي، وقيل: عليه يأباه الحصر لأنه تعالى يوفي المؤمنين أجورهم ويزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة. ورد بأن المعنى أن الصالح لا ينقص ثوابه والطالح لا يزاد عقابه لأن الحكمة تأبى ما هو على صورة الظالم أما زيادة الثواب ونقص العقاب فليس كذلك أو المراد بقوله تعالى: * (ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) * إنكم لا تجزون إلا من جنس عملكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر. [بم وقوله تعالى:
* (إن أصحابالجنة اليوم فى شغل فاكهون) *.
* (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) * على تقدير كون الخطاب السابق خاصا بالكفرة من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الإخبار بحسن حال أعدائهم إثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفي حكاية ذلك مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة إلى الاقتداء بسيرة المؤمنين، وعلى تقدير كونه عاما ابتداء كلام وإخبار لنا بما يكون في يوم القيامة إذا صار كل إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب، والشغل هو الشأن الذي يصدر المرء ويشغله عما سواه من شؤنه لكونه أهم عنده من الكل إما لإيجابه كمال المسرة أو كمال المساءة والمراد ههنا هو الأول، وتنكيره للتعظيم كأنه شغل لا يدرك كنهه، والمراد به ما هم فيه من النعيم الذي شغلهم عن كل ما يخطر بالبال، وعن ابن عباس. وابن مسعود. وقتادة هو افتضاض الأبكار وهو المروي عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه، وفي رواية أخرى عن ابن عباس ضرب الأوتار.
وقيل السماع وروى عن وكيع. وعن ابن كيسان التزاور، وقيل ضيافة الله تعالى وهي يوم الجمعة في الفردوس الأعلى عند كيب المسك وهناك يتجلى سبحانه لهم فيرونه جل شأنه جميعا، وعن الحسن نعيم شغلهم عما فيه أهل النار من العذاب، وعن الكلبي شغلهم عن أهاليهم من أهل النار لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا، ولعل التعميم أولى.
وليس مراد أهل هذه الأقوال بذلك حصر شغلهم فيما ذكروه فقط بل بيان أنه من جملة أشغالهم، وتخصيص كل منهم كلا من تلك الأمور بالذكر محمول على اقتضاء مقام البيان إياه، وأفرد الشغل باعتبار أنه نعيم وهو واحد بهذا الاعتبار، والجار مع مجروره متعلق بمحذوف وقع خبرا لأن و * (فاكهون) * خبر ثان لها وجوز أن يكون هو الخبر و * (في شغل) * متعلق به أو حال من ضميره؛ والمراد بفاكهون على ما أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. عن ابن عباس فرحون، وأخرجوا عن مجاهد أن المعنى يتعجبون بما هم فهي.
وقال أبو زيد: الفاكه الطيب النفس الضحوك ولم يسمع له فعل من الثلاثي، وقال أبو مسلم: إنه مأخوذ من الفاكهة بالضم وهي التحدث بمايسر، وقيل: التمتع والتلذذ قيل * (فاكهون) * ذووا فاكهة نحو لابن وتامر.
وظاهر صنيع أبي حيان اختياره، والتعبير عن حالهم هذه بالجملة الاسمية قبل تحققها لتنزيل المترقب المتوقع منزلة الواقع للإيذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها، وفيه على تقدير خصوص الخطاب زيادة لمساءة المخاطبين.
وقرأ الحرميان. وأبو عمرو * (شغل) * بضم الشين وسكون الغين وهي لغة في شغل بضمتين للحجازيين كما قال الفراء.