من جهته عز وجل على ما قال الفراء من قبل الملائكة وعلى ما قال قتادة ومجاهد من قبل المؤمنين؛ وكان الظاهر أن يجابوا بالفاعل لأنه الذي سألوا عنه بأن يقال الرحمن أو الله بعثكم لكن عدل عنه إلى ما ذكر تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه مع تضمنه الإشارة إلى الفاعل، وذكر غير واحد أنه من الأسلوب الحكيم على أن المعنى لا تسألوا عن الباعث فإن هذا الباعث ليس كبعث النائم وإن ذلك ليس مما يهمكم الآن وإنما الذي يهمكم أن تسألوا ما هذا البعث ذو الأهوال والأفزاع، وفيه من تقريعهم ما فيه.
وزعم الطيبي أن ذكر الفاعل ليس بكاف في الجواب لأن قولهم * (من بعثنا من مرقدنا) * حكاية عن قولهم ذلك عند البعث بعدما سبق من قولهم * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) * (يس: 48) فلا بد في الجواب من قول مضمن معنيين فكان مقتضى الظاهر أن يقال بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأنبأكم به الرسل لكن عدل إلى ما يشعر بتكذيبهم ليكون أهول وفي التقريع أدخل، وهو وارد على الأسلوب الحكيم وفي دعوى عدم كفاية ذكر الفاعل في الجواب نظر، وفي إيثارهم اسم الرحمن قيل إشارة إلى زيادة التقريع من حيث أن الوعد بالبعث من آثار الرحمة وهم لم يلقوا له بالا ولم يلتفتوا إليه وكذبوا به ولم يستعدوا لما يقتضيه، وقيل آثره المجيبون من المؤمنين لما أن الرحمة قد غمرتهم فهي نصب أعينهم، واختصاص رحمة الرحمة بما يكون في الدنيا ورحمة الرحيم بما يكون في الأخرى ممنوع فقد ورد يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.
وقال ابن زيد: هذا الجواب من قبل الكفار على أنهم أجابوا أنفسهم حيث تذكروا ما سمعوه من المرسلين عليه السلام أو أجاب بعضهم بعضا، وآثروا اسم الرحمن طمعا في أن يرحمهم وهيهات ليس لكافر نصيب يومئذ من رحمته عز وجل، وجوز الزجاج كون * (هذا) * صفة لمرقدنا لتأويله بمشتق فيصح الوقف عليه، وقد روى عن حفص أنه وقف عليه وسكت سكتة خفيفة فحكاية إجماعة القراء على الوقف على * (مرقدنا) * غير تامة، وما مبتدأ محذوف الخبر أي حق أو مبتدأ خبره محذوف أي هو أو هذا ما وعد، وفيه من البديع صنعة التجاذب وهو أن تكون كلمة محتملة أن تكون من الساق وأن تكون من اللاحق، ومثله كما قال الشيخ الأكبر قدس سره في " تفسيره " المسمى ب " إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن " ومن خطه الشريف نقلت * (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه) * (البقرة: 146) الآية بعد قوله تعالى: * (ولئن اتبعت أهواءهم من بعدما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمن) * (البقرة: 145) وقوله تعالى: * (فيه هدى - بعد - لا ريب) * فليحفظ.
* (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون) *.
* (إن كانت) * أي ما كانت الفعلة أو النفخة التي حكيت آنفا * (إلا صيحة واحدة) * حصلت من نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور، وقيل: هي قول إسرائيل عليه السلام أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقرىء برفع * (صيحة) * ومر توجيهها * (فإذا هم جميع) * مجمع * (لدينا) * عندنا وفي محل حكمنا وانقطاع التصرف الظاهري من غيرنا * (محضرون) * لفصل الحساب من غير لبث ما طرفة عين، وفيه من تهوين أمر البعث والحشر والإيذان باستغنائهما عن الأسباب ما لا يخفى.
* (فا اليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون) *.
* (فاليوم) * الحاضر أو المعهود وهو يوم القيامة الدال نفخ الصور عليه؛ وانتصب على الظرف والعامل فيه قوله تعالى: * (لا تظلم نفس) * من النفوس برة كانت أو فاجرة * (شيئا) * من الظلم فهو نصب على المصدرية أو شيئا