تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٩١
ألف فرس غزا سليمان عليه السلام دمشق ونصيبين فأصابها. واستشكلت هذه الرواية بأن الغنائم لم تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح. وأجيب بأنه يحتمل أن تكون فيئا لا غنيمة، وعن مقاتل أنها ألف فرس ورثها من أبيه داود وكان عليه السلام قد أصابها من العمالقة وهم بنو عمليق بن عوص بن عاد بن ارم.
واستشكلت هذه زيادة على الأولى بأن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون كما جاء في الحديث الذي رواه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه محتجا به في مسألة فدك والعوالي بمحضر الصحابة وهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم.
وأجيب بأن المراد بالإرث حيازة التصرف لا الملك، وعقرها تقربا على ما في الأوجه في الآية بعد وجاء في بعض الروايات لا يتقضي الملك، وقال عوف: بلغني أنها كانت خيلا ذات أجنحة أخرجت له من البحر لم تكن لأحد قبله ولا بعده، وروي كونها كذلك عن الحسن، وأخرج ابن جرير وغيره عن إبراهيم التيمي أنها كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة، وليس في هذا شيء سوى الاستبعاد، وإذا لم يلتفت إلى الأخبار في ذلك إذ ليس فيها خبر صحيح مرفوع أو ما في حكمه يعول عليه فيما أعلم فلنا أن نقول: هي خيل كانت له كالخيل التي تكون عند الملوك وصلت إليه بسبب من أسباب الملك فاستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس، قيل وغفل عن صلاة العصر، وحكى هذا الطبرسي عن علي كرم الله تعالى وجهه. وقتادة. والسدي ثم قال: وفي روايات أصحابنا أنه فات أول الوقت. وقال الجبائي: لم يفته الفرض وإنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار.
* (فقال إنىأحببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب) *.
* (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) * قاله عليه السلام اعترافا بما صدر عنه من الاشتغال وندما عليه وتمهيدا لما يعقبه من الأمر بردها وعقرها على ما هو المشهور، والخير كثر استعماله في المال ومنه قوله تعالى: * (إن ترك خيرا) * (البقرة: 180) وقوله سبحانه: * (وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم) * (البقرة: 273) وقوله عز وجل: * (وإنه لحب الخير لشديد) * (العاديات: 8) وقال بعض العلماء: لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا ومن مكان طيب كما روي أن عليا كرم الله تعالى وجهه دخل على مولى له فقال: ألا أوصي يا أمير المؤمنين؟ قال، لا لأن الله تعالى يقول: * (إن ترك خيرا) * وليس لك مال كثير، وروى تفسيره بالمال هنا عن الضحاك. وابن جبير، وقال أبو حيان: يراد بالخير الخيل والعرب تسمى الخيل الخير، وحكي ذلك عن قتادة. والسدي، ولعل ذلك لتعلق الخير بها، ففي الخبر " الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة " والأحباب على ما نقل عن الفراء مضمن معنى الإيثار وهو ملحق بالحقيقة لشهرته في ذلك، وظاهر كلام بعضهم أنه حقيقة فيه فهو مما يتعدى بعلى لكن عدى هنا بعن لتضمينه معنى الإنابة * (وحب الخير) * مفعول به أي آثرت حب الخير منيبا له عن ذكر ربي أو أنبت حب الخير عن ذكر ربي مؤثرا له.
وجوز كون * (حب) * منصوبا على المصدر التشبيهي ويكون مفعول * (أحببت) * محذوفا أي أحببت الصافنات أو عرضها حبا مثل حب الخير منيبا لذلك عن ذكر ربي، وليس المرادب الخير عليه الخيل وذكر أبو الفتح الهمداني أن أحببت بمعنى لزمت من قوله: ضرب بعير السوء إذ أحبا واعترض بأن أحب بهذا المعنى غريب لم يرد إلا في هذا البيت وغرابة اللفظ تدل على اللكنة وكلام الله عز وجل منزه عن ذلك، مع أن اللزوم لا يتعدى بعن إلا إذا ضمن معنى يتعدى به أو تجوز به عنه فلم يبق فائدة في العدول عن المعنى المشهور مع صحته أيضا بالتضمين وجعل بعضهم الأحباب من أول الأمر بمعنى التقاعد والاحتباس وحب الخير مفعولا لأجله أي تقاعدت واحتبست عن ذكر ربي لحب الخير. وتعقب بأن الذي يدل عليه كلام اللغويين أنه لزوم عن تعب أو مرض ونحوه فلا يناسب تقاعد النشاط والتلهي الذي كان عليه السلام فيه وقول بعض الأجلة: بعد التنزل عن جواز استعمال المقيد في المطلق لما كان لزوم المكان لمحبة الخيل على خلاف مرضاة الله تعالى جعلها من
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»