تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٨٢
تابعي وبأنه يلزم على عمومه أن لا يتفرغ السامع لعبادة أخرى وأنها تجب على المؤذن وسامعه والقارىء المار بذكره والمتلفظ بكلمتي الشهادة وفيه من الحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه، وبأن الثناء على الله تعالى كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به، وبأنه لا يحفظ عن صحابي أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليك، وبأن تلك الأحاديث المحتج بها للوجوب خرجت مخرج المبالغة في تأكد ذلك وطلبه وفي حق من اعتاد ترك الصلاة ديدنا.
ويمكن التفصي عن جميع ذلك، أما الأول: فلأن القائلين بالوجوب من أئمة النقل فكيف يسعهم خرق الإجماع على أنه لا يكفي في الرد عليهم كونه لم يحفظ عن صحابي أو تابعي وإنما يتم الرد أن حفظ إجماع مصرح بعدم الوجود كذلك وأتى به، وأما الثاني: فممنوع بل يمكن التفرغ لعبادات أخر، وأما الثالث: فللقائلين بالوجوب التزامه وليس فيه حرج، وأما الرابع: فلأن جمعا صرحوا بالوجوب في حقه تعالى أيضا، وأما الخامس: فلأنه ورد في عدة طرق عن عدة من الصحابة أنهم لما قالوا: يا رسول الله قالوا: صلى الله عليك، وأما السادس: فلأن حمل الأحاديث على ما ذكر لا يكفي إلا مع بيان سنده ولم يبينوه، ثم القائلون بالوجوب كما ذكر أكثرهم على أن ذلك فرض عين على كل فرد فرد وبعضهم على أنه فرض كفاية، واختلفوا أيضا هل يتكرر الوجوب بتكرر ذكره صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد، وفي بعض " شروح الهداية " يكفي مرة على الصحيح. وقال " صاحب المجتبى ": يتكرر وفي تكرر ذكر الله تعالى لا يتكرر، وفرق هو وغيره بينهما بما فيه نظر. ويمكن الفرق بأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والتوسعة وحقوق العباد مبنية على المشاحة والتضييق ما أمكن. والقول بأنها أيضا حق الله تعالى لأمره بها سبحانه ناشيء من عدم فهم المراد بحقه تعالى، وقيل: إنها تجب في القعود آخر الصلاة بين التشهد وسلام التحلل وهذا هو مذهب الشافعي الذي صح عنه، ونقل الأسنوي أن له قولا آخر إنها سنة في الصلاة لم يعتبره أجلة أصحابه ووافقه على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين من بعضهم وفقهاء الأمصار، فمن الصحابة ابن مسعود فقد صح عنه أنه قال: يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه، وأبو مسعود. البدري. وابن عمر فقد صح عنهما أنه لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن نسيت من ذلك شيئا فاسجد سجدتين بعد السلام، ومن التابعين الشعبي فقد صح عنه كنا نعلم التشهد فإذا قال: وأن محمدا عبده ورسوله يحمد ربه ويثني عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته.
وأخرج البيهقي عنه من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته أو قال: لا تجزىء صلاته، والإمام أبو جعفر محمد الباقر فقد روى البيهقي عنه نحو ما ذكر عن الشعبي، وصوبه الدارقطني. ومحمد بن كعب القرظي. ومقاتل بل قال الحافظ ابن حجر: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلا ما نقل عن إبراهيم النخعي وهذا يشعر بأن غيره كان قائلا بالوجوب، ومن فقهاء الأمصار أحمد فإنه جاء عنه روايتان والظاهر أن رواية الوجوب هي الأخيرة فإن قال: كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة وإسحق بن راهويه فقد قال في آخر الروايتين عنه: إذا تركها عمدا بطلت صلاته أو سهوا رجوت أن تجزئه وهو قول عند المالكية اختاره ابن العربي منهم ولعله لازم للقائلين بوجوبها كلما ذكر صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في التشهد إلا أن وجوبها بعد التشهد لذلك لا يستلزم كونها شرطا لصحة الصلاة إلا أنه يرد على القائلين بأن الشافعي رضي الله تعالى عنه شذ في قوله بالوجوب، وأما دليله رضي الله تعالى عنه على ذلك فمذكور في الأم. وقد استدل له
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»