والبستاني منه لا يخفى نفعه والبرى يستظل به أبناء السبيل ويأنسون به ولهم فيه منافع أخرى ويستأنس لعلو شأنه بما أخرجه أبو داود في " سننه ". والضياء في " المختارة " عن عبد الله بن حبشيء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار وبما أخرجه البيهقي عن أبي جعفر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه في مرض موته: أخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر " وفي معناهما عدة أخبار لها عدة طرق، والكل فيما أرى محمول على ما إذا كان القطع عبثا ولو كان السدر في ملكه.
وقيل في ذلك مخصوص بسدر المدينة، وإنما نهى عن قطعه ليكون إنسا وظلا لمن يهاجر إليها، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر مكة لأنها حرم، وقيل بما إذا كان في ملك الغير وكان القطع بغير حق، والكل كما ترى، وأيا كان ففي التنصيص عليه ما يشير إلى أن له شأنا فلما ذكر سبحانه ما آل إليه حال أولئك المعرضين وما بدلوا بجنتيهم أتى جل وعلا بما يتضمن الإيذان بحقارة ما عوضوا به وهو مما له شأن عند العرب أعنى السدر وقلته، والإيذان بالقلة ظاهر وأما الإيذان بالحقارة فمن ذكر شيء والعدول عن أن يقال وسدر قليل مع أنه الأخص الأوفق بما قبله ففيه إشارة إلى غاية انعكاس الحال حيث أومأ الكلام إلى أنهم لم يؤتوا بعد إذهاب جنتهم شيئا مما لجنسه شأن عند العرب إلا السدر وما أوتوه من هذا الجنس حقير قليل، وتسمية البدل جنتين مع أنه ما سمعت للمشاكلة والتهكم.
* (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزىإلا الكفور) *.
* (ذلك) * إشارة إلى ما ذكر من التبديل، وما فيه من معنى البعد للإشارة إلى بعد رتبته في الفظاعة أو إلى مصدر قوله تعالى: * (جزيناهم) * كما قيل في قوله سبحانه: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) ومحله على الأول النصب على أنه مفعول ثان، وعلى الثاني النصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور، والتقديم للتعظيم والتهويل وقيل للتخصيص أي ذلك التبديل جزيناهم لا غيره أو ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر * (بما كفروا) * أي بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها، وقيل بسبب كفرهم بالرسل الثلاثة عشر الذين بعثوا إليهم. واستشكل هذا مع القول بأن السيل العرم كان زمن الفترة بأن الجمهور قالوا. لا نبي بين نبينا وعيسى عليهما الصلاة والسلام، ومن الناس من قال: بينهما صلى الله عليه وسلم أربعة أنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد العبسي وهو قد بعث لقومه وبنو إسرائيل لم يبعثوا للعرب. وأجيب بأن ما كان زمن الفترة هو السيل العرم لا غير والرسل الثلاثة عشر هم جملة من كان في قومهم من سبا بن يشجب إلى أن أهلكهم الله تعالى أجمعين فتأمل ولا تغفل.
* (وهل نجازي إلا الكفور) * أي ما نجازي مثل هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفر إن أو الكفر فلا يتوجه على الحصر إشكال أن المؤمن قد يعاقب في العاجل. وفي " الكشف " لإيراد أن المؤمن أيضا يعاقب فإنه ليس بعقاب على الحقيقة بل تمحيص ولأنه أريد المعاقبة بجميع ما يفعله من السوء، ولا كذلك للمؤمن، ولا مانع من أن يكون الجزاء عاما في كل مكافآت وأريد به المعاقبة مطلقا من غير تقييد بما سبق لقرينة * (جزيناهم بما كفروا) * لتعيين المعاقبة فيه بل قال الزمخشري: هو الوجه الصحيح وذلك لعدم الإضمار ولأن التذييل هكذا آكد وأسد موقعا ولا يتوجه الأشكال لما في " الكشف ". وقرأ الجمهور * (يجازي) * بضم الياءي وفتح الزاي مبنيا للمفعول * (الكفور) * بالرفع على النيابة عن الفاعل. وقرىء * (يجازي) * بضم الياء وكسر الزاي مبنيا