تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٢٤
عليه السلام، ويحتاج هذا إلى نقل فإن مثله لا يقال بالرأي فإن كان فأهلا ومرحبا، وقيل المراد به مجمع العبادة على دين موسى كما وقع في الحديث فسطاط إيمان.
وقال القرطبي في " التذكرة " المراد به فرقة منحازة عن غيرها، مجتمعة تشبيها بالخيمة، ولا يخفى ما فيهما وإن قيل إنهما أظهر من الأول، وعن الثالث بأن المراد بالفراغ القرب من الفراغ وما قارب الشيء له حكمه وفيه بعد. واختير أن هذا رواية وذاك رواية والله تعالى أعلم بالصحيح مهما. وروى أنه عليه السلام قد أمر ببناء صرح له فبنوه فدخله مختليا ليصفو له يوم في الدهر من الكدر فدخل عليه شاب فقال: له كيف دخلت علي بلا إذن؟ فقال: إنما دخلت بإذن فقال: ومن أذن لك؟ قال: رب هذا الصرح فعلم أنه ملك الموت أتى لقبض روحه فقال: سبحان الله هذا اليوم الذي طلبت فيه الصفا فقال له: طلبت ما لم يخلق فاستوثق من الاتكاء على عصاه فقبض روحه وخفي على الجن موته حتى سقط، وروى أن أفريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الأسدان ساقه فكسراها فلم يجسر أحد بعده أن يدنو منه، ولذا لم تقربه الجن وخفي أمر موته عليهم.
ونظر فيه بأن سليمان كان بعد موسى بمدة مديدة وأفريدون كان قبله لأن منوجهر من أسباط أفريدون وظهر موسى عليه في زمانه، وعلى جميع الروايات الدالة على موته عليه السلام خروره لما كسرت العصا لضعفها بأكل الأرضة منها، ونسبة الدلالة في الآية إليها نسبة إلى السبب البعيد.
ومن الغريب ما نقل عن ابن عباس أنه عليه السلام مات في متعبده على فراشه، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة أي عتبة الباب فلما خر أي الباب علم موته فإن فيه جعل ضمير * (خر) * للباب وإليه ذهب بعضهم، وفيه أنه لم يعهد تسمية العتبة منسأة، وأيضا كان اللازم عليه خرت بتاء التأنيث ولا يجيء حذفها في مثل ذلك إلا في ضرورة الشعر، وكون التذكير على معنى العود بعيد فالظاهر عدم صحة الرواية عن الحبر والله تعالى أعلم.
وحكى البغوي عنه أن الجن شكروا الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب وهذا شيء لا أقول به ولا أعتقد صحة الرواية أيضا، وكان عمره عليه السلام ثلاثا وخمسين سنة وملك بعد أبيه وعمره ثلاثة عشر سنة وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه ثم مضى وانقضى وسبحان من لا ينقضي ملكه ولا يزول سلطانه، وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبلة بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضا.
* (لقد كان لسبإ فى مسكنهم ءاية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور) *.
* (لقد كان لسبأ) * لم ذكر عز وجل حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه تعالى ذكر حال الكافرين بالنعمة المعرضين عنه جل شأنه موعظة لقريش وتحذيرا لمن كفر بالنعم وأعرض عن المنعم، وسبأ في الأصل اسم رجل وهو سبا بن يشجب بالشين المعجمة والجيم كينصر بن يعرب بن قحطان، وفي بعض الأخبار عن قروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبا أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد. وكندة. ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبا بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبا لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير. وأبو عمرو وباعتبار جعله اسما للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»