تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٨
فإن احتج بالفاصل فهو مجوز لا موجب بدليل وما تسقط من ورقة فإن عورض بأحسن بهند فالتاء لا تلحق صيغ الأمر وإن كان معناها الخبر اه‍.
وتعقب ذلك الشيخ يس الحمصي في حواشيه على التصريح فقال: أقول تفسير * (كفى) * على هذا القول باكتف غير صحيح إذ فاعل * (كفى) * حينئذ ضمير المخاطب، و * (كفى) * ماض وهو لا يرفع ضمير المخاطب المستتر اه‍ وفيه بعد بحث لا يخفى على المتأمل.
وظن بعض الناس أن * (كفى) * على هذا القول اسم فعل أمر يخاطب به المفرد المذكر وغيره نحو حي في حي على الصلاة فالمعنى هنا اكتفوا بالله، وأنت تعلم أن هذا بعيد الإرادة من كلام الزجاج ويأباه كلام ابن هشام، وقال ابن السراج: الفاعل ضمير الاكتفاء، قال ابن هشام: وصحة قوله موقوفة على جواز تعلق الجار بضمير المصدر وهو قول الفارسي. والرماني أجازوا مروري بزيد حسن وهو بعمرو قبيح، وأجاز الكوفيون اعماله في الظرف وغيره، ومنع جمهور البصريين أعماله مطلقا اه‍.
وتعقب ذلك ابن الصائغ فقال: لا نسلم توقف الصحة على ذلك لجواز أن تكون الباء للحال، وعليه يكون المعنى * (كفى) * هو أي الاكتفاء حال كونه ملتبسا بالله تعالى، ولا يخفى أنه ما لم يبطل هذا القول لا يتم ما ادعاه ابن هشام من أن ترك التاء في كفى بهند يوجب كون كفى مضمنا معنى اكتفى فتدبر * (والذين ءامنوا بالباطل) * قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي بغير الله عز وجل وهو شامل لنحو عيسى والملائكة عليهم السلام.
والباطل في الحقيقة عبادتهم وليس الباطل هنا مثله في قول حسان: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وقال مقاتل: أي بعبادة الشيطان، وقيل: أي بالصنم * (وكفروا بالله) * مع تعاضد موجبات الإيمان به عز وجل * (أولئك هم الخاسرون) * المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان فاستوجبوا العقاب يوم الحساب، وفي الكلام على ما قيل: استعارة مكنية شبه استبدال الكفر بالإيمان المستلزم للعقاب اشتراء مستلزم للخسران، وفي الخسران استعارة تخييلية هي قرينتها لأن الخسران متعارف في التجارات، وهذا الكلام ورد مورد الانصاف حيث لم يصرح بأنهم المؤمنون بالباطل الكافرون بالله عز وجل بل أبرزه في معرض العموم ليهجم به التأمل على المطلوب فهو كقوله تعالى: * (إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) * (سبأ: 24) وكقول حسان: فشركما لخيركما الفداء وهذا من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن.
* (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجآءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) *.
* (ويستعجلونك) * أي ويستعجلك كفار قريش * (بالعذاب) * على طريقة الاستهزاء والتعجيز والتكذيب به بقوله: * (متى هذا الوعد) * (يونس: 48) وقولهم: أمطر علينا حجارة أو ائتنا بعذاب ونحو ذلك * (ولولا أجل مسمى) * قد ضربه الله تعالى لعذابهم وسماه وأثبته في اللوح * (لجاءهم العذاب) * المعين لهم حسبما استعجلوا به، وقال ابن جبير: المراد بالأجل يوم القيامة لما روي أنه تعالى وعد رسوله صلى الله عليه وسلم ان لا يعذب قومه بعذاب الاستئصال وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة، وقال ابن سلام: والمراد به أجل ما بين النفختين، وقيل: يوم بدر، وقيل: وقت فنائهم بآجالهم، وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعي ولا كانوا يستعجلون به * (وليأتينهم) * جملة مستأنفة مبينة لما أشير إليه في الجملة السابقة من مجيء العذاب عند حلول الأجل، أي وبالله تعالى * (ليأتينهم) * العذاب الذي عين لهم عند حلول الأجل * (بغتة) *
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»