تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٥
ما مات صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ ".
ونقل هذا للشعبي فصدقه وقال: سمعت أقواما يقولونه وليس في الآية ما ينافيه، وروي ابن ماجه عن أنس قال: " قال صلى الله عليه وسلم: رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر " والقدرة على القراءة فرع الكتابة ورد باحتمال أقدار الله تعالى إياه عليه الصلاة والسلام عليها بدونها معجزة أو فيه مقدر وهو فسألت عن المكتوب فقيل: الخ، ويشهد للكتابة أحاديث في " صحيح البخاري ". وغيره كما ورد في صلح الحديبية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الحديث، وممن ذهب إلى ذلك أبو ذر عبد بن أحمد الهروي. وأبو الفتح النيسابوري. وأبو الوليد الباجي من المغاربة، وحكاه عن السمناني، وصنف فيه كتابا، وسبقه إليه ابن منية، ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف فأجابوا بما يوافقه، ومعرفة الكتابة بعد أميته صلى الله عليه وسلم لا تنافي المعجزة بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم، ورد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح - إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب -، وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: كتب فمعناه أمر بالكتابة كما يقال: كتب السلطان بكذا لفلان، وتقديم قوله تعالى: * (من قبله) * على قوله سبحانه: * (ولا تخطه) * كالصريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب مطلقا وكون القيد المتوسط راجعا لما بعده غير مطرد، وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده فقال: يفهم من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة، وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة إلا إذ قيل بحجية المفهوم والظان ممن لا يقول بحجيته، ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " ليس نصا في استمرار نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل ذلك باعتبار أنه بعث عليه الصلاة والسلام وهو وكذا أكثر من بعث إليهم وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون لا يكتبون ولا يحسبون فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد، وأما ما ذكر من تأويل كتب بأمر بالكتابة فخلاف الظاهر، وفي شرح " صحيح مسلم " للنواوي عليه الرحمة نقلا عن القاضي عياض أن قوله في الرواية التي ذكرناها: ولا يحسن يكتب فكتب كالنص في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه ثم قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا فالله تعالى أعلم.
ورأيت في بعض الكتب ولا أدري الآن أي كتاب هو أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ما يكتب لكن إذا نظر إلى المكتوب عرف ما فيه بأخبار الحروف إياه عليه الصلاة والسلام عن أسمائها فكل حرف يخبره عن نفسه أنه حرف كذا وذلك نظير أخبار الذراع اياه صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة.
وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل بدون خبر صحيح ولم أظفر به.
* (بل هو ءاي‍ات بين‍ات فى صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بااي‍اتنآ إلا الظ‍المون) *.
* (بل هو) * أي القرآن، وهذا اضراب عن ارتيابهم، أي ليس القرآن مما يرتاب فيه لوضوح أمره بل هو * (ءايات بينات) * واضحات ثابتة راسخة * (في صدور الذين أوتوا العلم) * من غير أن يلتقط من كاتب يحفظونه بحيث لا يقدر على تحريفه بخلاف
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»