بعينها فتدبر انتهى، وتعقبه بعضهم بأنه يلزم حينئذ على القول بالمغايرة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق أن تكون النفخات خمسا ولم نسمع متنفسا يقول بذلك، وأيضا فيه القول بأن نفخة الصعق بعد نفخة البعث، ويأباه قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا أول من تنشق عنه الأرض فأرفع رأسي فإذا موسى متعلق بقائمة من قوائم العرش فما أدري أفاق قبلي أم كان بمن استثنى الله تعالى " فإن انشقاق الأرض عنه صلى الله عليه وسلم بعد نفخة البعث لا محالة فإذا عقبه رفع رأسه عليه الصلاة والسلام ومفاجأة كون موسى عليه السلام متعلقا بقائمة من قوائم العرش فأين نفخة الصعق. ولا يخفى أن كون النفخات خمسا لم يسمع هو الغالب على الظن ويتوقف قبول ما ذكره ثانيا على صحة ما ذكره من الخبر، ولعل القائل بما تقدم من وراء المنع، وقيل: الأظهر أن النفخات ثلاث: الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت كما هو أحد معنييه المدلول عليها بقوله تعالى: * (ونفخ في الصور فصعق من السموات ومن في الأرض) * (الزمر: 68)، والثانية نفخة البعث المدلول عليها بقوله تعالى: * (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * (الزمر: 68) وقوله سبحانه: * (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) * (يس: 51) والثالثة نفخة الفزع المدلول عليها بما هنا وهي على ما سمعت عن القاضي عياض بعد النشر حين تنشق السموات والأرض.
وأصله كما قال الراغب انقباض ونفار يعترى الشخص من الشيء المخيف والمراد به الرعب الشديد، ولعل الصعق المذكور في حديث الصحيحين هو غشى يترتب عليه بلا واسطة وعلى النفخ بواسطته وقد نص في الأساس على هذا المعنى له قال يقال صعق الرجل إذا غشى عليه م هدة أو صوت شديد يسمعه ويدل على أنه بمعنى الغشى قوله عليه الصلاة والسلام: " فأكون أول من يفيق " لأن الإفاقة إنما تكون من الغشى دون الموت ولم يعبر هنا بالصعق مردا به الغشى المذكور في الحديث لئلا يتوهم إرادة معنى الموت منه لخلوه هنا عن القرينة التي في الحديث واقترانه بما يلائم ذلك. وقد يختار ما هو المشهور من أن انلفخة اثنتان ويجلب عما يشعر بالزيادة فالنفخة الأولى نفخة الصعق بمعنى الموت بحال هائلة فبها يموت من في السموات والأرض من الأحياء قبيل ذلك إلا من شاء الله تعالى، ويدل عليها آية ونفخ في الصور فصعق الخ، والنفخة الثانية نفخة البعث المدلول عليها بآية * (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * وبينهما في المشهور أربعون سنة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا " أربعون " بدون ذكر التمييز فقيل أربعون يوما فقال أبو هريرة أبيت فقيل أربعون شهرا فقال أبيت فقيل أربعون سنة فقال أبيت، ونفخة الفزع بمعنى الرعب والخوف هي هذه النفخة بعينها ووجه ذلك أنه ينفخ في الصور للبعث فيبعث الخلق وينشرون فإذا تحققوا يوم القيامة وشاهدوا آثار عظمة الله تعالى فزعوا ورعبوا إلا من شاء الله تعالى وترتب الفزع على النفخ بالفاء للإشارة إلى قلة الزمان الفاصل لسرعة تحققهم ومشاهدتهم ما كذر، والإضافة في قولنا نفخة البعث وقولنا نفخة الفزع من إشافة السبب إلى المسبب إلا أن سببية النفخ للبعث بلا واسطة وسببيته للفزع بواسطة، وحديث الصحيحين " لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة " الخ ليس فيه سوى إثبات الصعق بمعنى الغشى كما يرشد إليه ذكر الإفاقة للناس يوم القيامة ولا تعرض له لنفخ يترتب عليه ذلك، نعم التعبير بالصعق على ما ذكروا في معناه يقتضي أن يكون هناك هدة أو صوت شديد يسمعه من يسمعه فيغشى عليه إلا أنه لا يعين النفخ لجواز أن يكون ذلك من صوت حادث من انشقاق السموات الكائن