تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٠
وفي إرشاد العقل السليم لآيات عظيمة كثيرة لقوم يؤمنون دالة على صحة البعث وصدق الآيات الناطقة به دلالة واضحة كيف لا وأن من تأمل في تعاقب الليل والنهار واختلافهما على وجوه بديعة مبنية على حكم رائقة تحار في فهمها العقول ولا يحيط بها إلا علم الله جل وعلا وشاهد في الآفاق تبدل ظلمة الليل مالحاكية للموت بضياء النهار المضاهى للحياة وعاين في نفسه تبدل النوم الذي هو أخو الموت بالانتباع الذي هو مثل الحياة قضي بأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله تعالى يبعث من في القبور قضاءا متقنا وجزم بأنه تعالى قد جعل هذا أنموذجا له ودليلا يستدل به على تحققه، وأن الآيات الناطقة به وبكون حال الليل والنهار برهانا عليه وسائر الآيات كلها حق نازل من عند الله تعالى اه‍.
ولعل الأول أولى لا سيما إذا ضم إلى الاستدلال على جواز الحشر مشابهة النوم واليقظة للموت والحياة لما في هذا من خفاء الدلالة، وتخصيص المؤمنين بالذكر لما أنهم هم المنتفعون بالآيات، ووجه ربط هذه الآية بما قبلها أنها كالدليل على صحة ما تضمنته من الحشر.
* (ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السم‍اوات ومن فى الارض إلا من شآء الله وكل أتوه داخرين) * * (ويوم ينفخ في الصور) * إما معطوف على * (يوم نحشر) * منصوب بناصبه، أو منصوب بمضمر معطوف على ذلك الناصب، والصور - على ما في التذكرة - قرن من نور، وذكر البخاري عن مجاهد أنه كالبوق.
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " جار أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ما الصور؟ قال: قرن ينفخ فيه "، والمشهور أن صاحب الصور هو إسرافيل عليه السلام.
وذكر القرطبي أن الأمم مجمعة على ذلك وهو مخلوق اليوم، فقد أخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ؟! فكأن ذلك ثقل على أصحاب رسول الله: صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام لهم. قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل " وروي أيضا عن أبي هريرة مرفوعا " ما أطرق صاحب الصور مذ وكل به مستعدا بحذاء العرش مخافة أن يأمر بالصيحة قبل أن يرتد طرفه كأن عينيه كوكبان دريان ".
وجاء عن أبي هريرة من حديث مرفوع " إن عظم دائرة فيه كعرض السموات والأرض " وهذا مما يؤمن به وتفرض كيفيته إلا علام الغيوب، وقيل: إن الصور بسكون الواو بمعنى الصور بضم الصاد وفتح الواو جمع صورة - وعليه أبو عبيدة - والكلام في الوجهين على حقيقته، وقيل: في الكلام استعارة تمثيلية شبه هيئة انبعاث الموتى من القبور إلى المحشر إذا نودوا بالقيام بهيئة قيام جيش نفخ لهم في المزمار المعروف وسيرهم إلى محل عين لهم، والأول قول الأكثرين - وعليه المعول - لأن قوله تعالى: * (ثم نفخ فيه أخرى) * (الزمر: 68) ظاهر في أن الصور ليس جمع صورة وإلا لقال سبحانه: فيها بدل فيه، وارتكاب التأويل بجعل الكلام من باب التمثيل ظاهر في إنكار أن يكون هناك صور حقيقة، وهو خلاف ما نطقت به الأحاديث الصحاح، وقد قال أبو الهيثم على ما نقل عنه القرطبي في تفسيره: من أنكر أن يكون الصور قرنا فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان وطلب لها تأويلات، وهذا النفخ قيل: المراد به النفحة الثانية، وإليه ذهب صاحب الغنيان، واختاره العلامة أبو السعود وقال: الذي يستدعيه سياق النظم الكريم وسباقه ذلك، وأن المراد بالفزع في قوله تعالى:
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»