تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٣١
* (ففزع من في السموات ومن في الأرض) * ما يعتري الكل عند البعث والنشور من الرعب والتهيب الضروريين الجبليين بمشاهدة الأمور الهائل الخارقة للعادات في الأنفس والآفاق، ثم قال: وقيل: المراد بالنفخ هي النفخة الأولى، وبالفزع هو الذي يستتبع الموت لغاية شدة الهول كما في قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض) * فيختص أثرها بمن كان حيا عند وقوعها دون من مات قبل ذلك من الأمم.
وقيل: إن المراد بهذه النفخة نفخة الفزع التي تكون قبل نفخة الصعق التي أريدت بقوله تعالى: * (ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق) * وشنع على كلا القولين بما هو مذكور في تفسيره.
وقال العلامة الطيبي الحق أن المراد بقوله تعالى: * (ونفخ في الصور ففزع) * هو النفخة الأولى، وقوله تعالى الآتي: * (وكل) * الخ إشارة إلى النفخة الثانية، واعلم أنهم اختلفوا في عدد النفخة فقيل: ثلاث: نفخة الصعق المذكورة في قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض) *، ونفخة البعث المذكورة في قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) * (يس: 51) ونفخة الفزع المذكورة في الآية المذكورة ههنا، وهو اختيار ابن العربي.
وقيل: اثنتان، ونفخة الفزع هي نفخة الصعق لأن الأمرين: الفزع بمعنى الخوف. والصعق بمعنى الموت لا زمان لها، قال القرطبي: والسنة كحديث مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص وهو طويل منه مع حذف ثم ينفخ في الصور فأول من يسمعه رجل يلوط حوضه فيصعق الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. تدل على أن النفخ مرتين لا ثلاثة وهو الصحيح. ونفخ الفزع هو نفخ الصعق بعينه لا تحاد الاسنثناء في آيتيهما. وتعقب في الرسالة المسماة بشرح العشر في معشر الحشر المنسوبة لابن الكمال بأنه لا دلالة في الحديث على عدم النفخة الثالثة، غايته أنه وسائر الأحاديث الواردة على نسقه ساكت عنها، ولا يلزم من ذلك عدمها، وكذا لا دلالة في اتحاد الاستثناء في الآيتين أن يكون المذكور فيهام نفخة واحدة، وهذا ظاهر، ثم قال: والصحيح عندي ما في القول الأول، من أن نفخة الفزع غير نفخة الصعق. فإن حديث الصحيحين لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى عليه السلام أخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور: صريح في أن الصعق يوم القيامة، وأن لا موت فيه فهو فزع بلا موت، فمن قال: هي ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ثم نفخة الصعق وهو الموت، ثم نفخة البعثة فقد أصاب في التفرقة بين نفخة الفزع ونفخة الصعق. إلا أنه لم يصب في زعمه أن نفخة الفزع قبل نفخة الصعق. كيف وقد دل حديث الصحيحين المذكور على عموم حكم نفخة الفزع للأنبياء عليهم السلام الذين ماتوا قبل نفخة الصعق أي الموت، قال القاضي عياض: إن نفخة الفزع بعد النشر حين تنشق السموات والأرض، فظهر أن النفخات ثلاث بل أربع: نفخة يميت الله تعالى جميع الخلق بها كما جاء في الحديث وعند ذلك ينادي سبحانه: لمن الملك اليوم. وينادي على ذلك قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88). ونفخة البعث كما نطق به قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) * (يس: 51) ونفخة الصعق وهي نفخة الفزع بعينها وقد سمعت آيتيهما، ونفخة للإفاقة كما قال تعالى بعد ذكر نفخة الصعق * (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) * (الزمر: 68) وقد عرفت ما في زعم أن نفخة الصعق هي نفخة الفزع
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»