نعم قيل: إن فيه شبه تحصيل الحاصل لأن التصديق بالقرآن هو استماعه النافع، ولعل من عدل عنه إنما عدل لذلك، ولم يعبأ بالمغايرة بين ذينك الأمرين الظاهرة بعد النظر الصحيح، والحق أن ما ذكر من شبه تحصيل الحال على طرف الثمام لظهور الفرق بين الأسماع المراد في الآية والتصديق بأن القرآن كلام الله تعالى كما لا يخفى، وجوز أن يراد بالآيات المعجزات التي أظهرها الله تعالى على يده عليه الصلاة والسلام الشاملة للآيات التنزيلية والتكوينية وأن يراد بها الآيات التكوينية فقط، والايمان بها التصديق بكونها آيات الله تعالى وليست من السحر وإذا أريد بالأسماع النافع على هذا إسماع الآيات التنزيلية ليؤتى بما تضمنته من الاعتقادات والأعمال كأن الكلام أبعد وأبعد من أن يكون فهي شبه تحصيل الحاصل إلا أن ذلك لا يخلو عن شيء، وفي " إرشاد العقل السليم " أن إيراد الأسماع في النفي والإثبات دون الهداية مع قربها بأن يقال: إن تهدي إلا من يؤمن الخ لما أن طريق الهداية هو إسماع الآيات التنزيلية فافهم، وقوله تعالى: * (فهم مسلمون) * قيل: تعليل لإيمانهم بها كأنه قيل: فإنهم منقادون للحق في كل وقت.
وقيل: مخلصون لله تالى من قوله تعالى: * (بلى من أسلم وجهه لله) * (البقرة: 112)، وقيل: هو تعليل لما يدل عليه الكلام من أنهم يسمعون إسماعا نافعا لهم، وفي توحيد الضمير تارة. وجمعه أخرى رعاية للفظ من ومعناها.
واستدل بقوله سبحانه: * (إنك لا تسمع الموتى) * على أن الميت لا يسمع كلام الناس مطلقا، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في ذلك في سورة الروم على أتم وجه.
* (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دآبة من الارض تكلمهم أن الناس كانوا بااياتنا لا يوقنون) * * (وإذا وقع القول عليهم) * بيان لما أشير إليه بقوله تعالى: * (بعض الذي تستعجلون) * (النمل: 72) من بقية ما يستعجلونه من الساعة ومباديها، والمراد بالقول ما نطق من الآيات الكريمة بمجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها وبوقوعها قيامها وحصولها عبر عن ذلك به للإيذان بشدة وقعها وتأثيرها، وإسناد إلى القول لما أن المراد بيان وقوعها من حيث أنها مصداق للقول الناطق بمجيئها، وقد أريد بالوقوع دنوه واقترابه كما في قوله تعالى: * (أتى أمر الله) * (النحل: 1) ففيه مجاز المشارفة أي إذا دنا وقوع مدلول القول المذكور الذي لا يكادون يسمعونه ومصداقه.
* (أخرجنا لهم دابة من الأرض) * وذلك على ما أخرج ابن مردويه من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، وهو. وجماعة عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما موقوفا " حين يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابم مسعود قال: " أكثروا الطواف بالبيت من قبل أن يرفع، قيل: وكيف يرفع ما في صدور الرجال؟ قال: يسري عليهم ليلا فيصبحون منه فقراء وينسون قول لا إله إلا الله ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم فذلك حين يقع القول عليهم "، وهذا ظاهر في أن خروج الدابة حين لا يبقى في الأرض خير، ويقتضي ذلك أن يكون بعد موت عيسى والمهدي وأتباعهما عليهمم السلام، وسيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار ما هو ناطق بأنها تخرج وعيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون.
وأخرج نعيم بن حماد عن وهب بن منبه قال: أول الآيات الروم. والثانية الدجال. والثالثة يأجوج ومأجوج. والرابعة عيسى. والخامسة الدخان. والسادسة الدابة، وصوب السفاريني أنها قبل الدخان، والحق أنها تخرج وفي الناس مؤمن وكافر، فالظاهر أن الخبر المذكور عن ابن مسعود غير صحيح، ويدل على ما ذكرنا