وبالجملة القول بالرجعة تزعم الإمامية مما لا ينتهض عليه دليل، وكم من آية في القرآن الكريم تأباه غير قابلة للتأويل، وكأن ظلمة بغضهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم حالت بينهم وبين أن يحيطوا علما بتلك الآيات فوقعوا فيما وقعوا فيه من الضلالات * (حتى إذا جاءوا) * إلى موقف السؤال والجواب والمناقشة والحساب * (قال) * أي الله عز وجل موبخا لهم على التكذيب لا سائلا سبحانه وتعالى سؤال استفسار لاستحالته منه عز وجل، وعدم وقوع الاستفسار عن الذنب يوم القيامة من غيره تعالى من الملائكة عليهم السلام وان كان ممكنا على ما يدل عليه قوله تعالى: * (لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان) * على أحد التفسيرين، والالتفات لتربية المهابة * (أكذبتم بئاياتي) * الناطقة بلقاء يومكم هذا، وقوله تعالى: * (ولم تحيطوا بها علما) * جملة حالية مفيدة لزيادة شناعة التكذيب وغاية قيحه، ومؤكدة للإنكار والتوبيخ أي أكذبتم بها بادي الرأي غير ناظرين فيها نظرا يؤدي إلى العلم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق حتما، وهذا على ما قيل: ظاهر في أن المراد بالآيات فيما تقدم الآيات التنزيلية لأنها المنطوية على دلائل الصحة وشواهدها التي لم يحيطوا بها علما مع وجوب أن يتأملوا ويتدبروا فيها لا نفس الساعة وما فيها.
وقال بعض الأجلة: إن التكذيب يأبى بظاهره أن يراد بالآيات الآيات التكوينية كالمعجزات ونحوها إذ ليس فيها نسبة يتعلق بها ذلك، وإرادة الأعم تستدعي اعتبار التغليب وكون التكذيب بمعنى نفي دلالتها على المراد منها كتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في المعجزات ونحوه في نحوها من آيات الأنفس والآفاق خلاف الظاهر، فالأولى إبقاؤه على الظاهر وحمل الآيات على الآيات التنزيلية، وقيل: هو معطوف على - كذبتم - والهمزة لإنكار الجمع والتوبيخ عليه كأنه قيل: أجمعتم بين التكذيب بآياتي وعدم التدبر فيها.
* (حتى إذا جآءوا قال أكذبتم بااياتى ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون) * * (أما ذا كنتم تعملون) * أي أم ماذا كنتم تعملون بها على أن المراد التبكيت وأنهم لم يعملوا إلا التكذيب وهو أحد وجهين ذكرهما الزمخشري، وقرره في الكشف بأن * (أم) * متصلة، والأصل أكذبتم بآياتي أم صدقتم، والمعادلة بين الفعلين المتعلقين بالآيات لكن جيء بالأول مجيء معلوم محقق، وبالثاني لا على ذلك النهج تنبيها على انتفائه كأنه قيل: أهو ما عهد من التكذيب أم حدث حادث، ووجه الدلالة أنه جعل العديل مرددا فيه فلم يجعل التصديق مثل التكذيب في الاستفهام عن حاله بل إنما شك في وجود معادل التكذيب لأن قوله تعالى: * (أم ماذا كنتم تعملون) * يشمل التكذيب المذكور أولا وعديله الحقيقي، وهذه قرينة أنه لم يجأ بالاستفهام جهلا بالحال بل إنما أريد التبكيت والإلزام على معنى قل لي ويحك إن حدث أمر آخر بتا بالقول بأنه لم يحدث ما يضاد الأول وإشعارا بأنه إذا سئل عن الذي عمله لم يجب إلا بما قدم أولا، ثم قال: وهذا وجه لائح، وإنما جاز دخول * (أم) * على * (ما) * الاستفهامية لهذه النكتة فإنها خرجت عن حقيقة الاستفهام إلى البت بالحكم لا بالمعادل بل بالأول، وثانيهما أن المعنى ما كان لكم عمل في الدنيا إلا الكفر والتكذيب بآيات الله تعالى: * (أم ماذا كنتم تعملون) * من غير ذلك، وقرره في الكشف أيضا بأن * (أم) * على اتصالها ولكن المعادلة بين التكذيب وكل عمل غيره تعلق بالآيات أولا والإيراد على صيغة الاستفهام للنكتة السابقة فدل على أنه لم يكن لهم عمل إلا التكذيب والكفر كأنهم لم يخلقوا إلا لذلك فلأجله لم يعملوا غيرهر، وجعل سائر أعمالهم