تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٤
عده عليه السلام ممن لا يصعق يوم القيامة بعد قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين السابق فلا أدري أفاق قبلي أو جزي بصعقة الطور يحتاج إلى خبر صحيح وارد بعد ذلك.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون وصححه القاضي أبو بكر بن العربي كما قال القرطبي وبه رد على من زعم أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، وإلى ذلك ذهب ابن جبير ولفظه هم الشهداء متقلد والسيوف حول العرش وكذا ذهب إليه الحليمي وقال: هو مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ثم ضعف غيره من الأقوال. وقد ذكره غير واحد من المفسرين إلا أن بعضهم ذكره في تفسير من شاء الله في آية الصعق وبعض آخر ذكره في تفسيره في آية الفزع فتدبر.
* (وكل) * أي كل واحد من الفازعين المبعوثين عند النفخة * (أتوه) * أي حضروا الموقف بين يدي رب العزة جل جلاله للسؤال والجواب والمناقشة والحساب، وقيل: أي رجعوا إلى أمره تعالى وانقادوا. وضمير الجمع باعتبار معنى * (كل) * وقرأ قتادة أتاه فعلا ماضيا مسندا لضمير * (كل) * على لفظها.
وقرأ أكثر السبعة آتوه اسم فاعل * (داخرين) * أي أذلاء، وقرأ الحسن. والأعمش دخرين بغير ألف وهو على القراءتين نصب على الحال من ضمير * (كل) * وقوله سبحانه:
* (وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب صنع الله الذىأتقن كل شىء إنه خبير بما تفعلون) * * (وترى الجبال) * عطف على ينفح داخل في حكم التذكير؛ وترى من رؤية العين، وقوله تعالى: * (تحسبها جامدة) * أي ثابتة في أماكنها لا تتحرك حال من فاعل ترى أو من مفعوله، وجوز أن يكون بدلا من سابقه، وقوله عز وجل.
* (وهي تمر مر السحاب) * حال من ضمير الجبال في تحسبها، وجوز أن يكون حالا من ضميرها في جامدة ومنعه أبو البقاء لاستلزامه أن تكون جامدة ومارة في وقت واحدة أي وترى الجبال رأي العين ساكنة والحال أنها تمر في الجور مر السحاب التي تسيرها الرياح سيرا حثيثا، وذلك أن الأجرام المجتمعة المتكاثرة العدد على وجه الالتصاق إذا تحركت نحو سمت لا تكاد تبين حركتها، وعليه قول النابغة الجعدي في وصف جيش: بأرعن مثل الطود تحسب أنهم * وقوف لحاج والركاب تهملج وقيل: شبه مرها بمر السحاب في كونها تسير سيرا وسطا كما قال الأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها * مر السحائب لا ريث ولا عجل والمشهور في وجه الشبه السرعة وإن منشأ الحسبان المذكور ما سمعت، وقيل: إن حسبان الرائي إياها جامدة مع مرورها لهول ذلك اليوم فليس له ثبوت ذهن في الفكر في ذلك حتى يتحقق كونها جامدة وليس بذاك وقد أدمج في التشبيه المذكور تشبيه حال الجبال بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها كما في قوله تعالى: * (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) * (القارعة: 5) واختلف في وقت هذا، ففي إرشاد العقل السليم أنه مما يقع بعد النفخة الثانية كالفزع المذكور عند حشر الخلق يبدل الله تعالى شأنه الأرض غير الأرض ويغير هيئتها ويسير الجبال عن مقارها على ما ذكر من الهيئة الهائلة يشاهدها أهل المحشر وهي وإن اندكت وتصدعت عند النفخة الأولى لكن تسييرها وتسوية الأرض إنما يكون بعد النفخة الثانية كما نطق به قوله تعالى: * (ويسألونك عن الجبال
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»