ذلك إلى آخر القصة فكانت هذه السورة شارحة لما أجمل في السورتين معا على الترتيب، وبذلك عرفه وجه الحكمة من تقديم طس على هذه وتأخيرها عن الشعراء في الذكر في المصحف وكذا في النزول فقد روى عن ابن عباس. وجابر بن زيد أن الشعراء نزلت، ثم ط - س، ثم القصص، وأيضا قد ذكر سبحانه في الصورة السابقة من توبيخ الكفرة بالسؤال يوم القيامة ما ذكر، وذكر جل شأنه في هذه من ذلك ما هو أبسط وأكثر مما تذم، وأيضا ذكر عز وجل من أمر الليل والنهار هنا فوق ما ذكره سبحانه منه هناك، وقد يقال في وجه المناسبة أيضا: إنه تعالى فصل في تلك السورة أحوال بعض المهلكين من قوم صالح. وقوم لوط. وأجمل هنا في قوله تعالى: * (وكم أهلكنا من قرية) * الآيات، وأيضا بسط في الجملة هناك حال من جاء بالحسنة وحال من جاء بالسيئة وأوجز سبحانه هنا حيث قال تعالى: * (من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) * (القصص: 84) فلم يذكر عز وجل من حال الأولين أمنهم من الفزع ومن حال الآخرين كب وجوههم في النار إلى النار إلى غير ذلك مما يظهر للمتأمل.
* (طسم * تلك ءايات الكتابالمبين) * بسم الله الرحمان الرحيم * (طس - م * تلك ءايات الكتابالمبين) * قد مر ما يتعلق به من الكلام في أشباهه.
* (نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) * * (نتلو عليك) * أي نقرأ بواسطة جبرائيل عليه السلام فالإسناد مجازي كما في بني الأمير المدينة. والتلاوة في كلامهم على ما قال الراغب تختص باتباع كتب الله تعالى المنزلة تارة بالقراءة وتارة بالارتسام لما فيه من أمر ونهي وترغيب وترهيب أو ما يتوهم فيه ذلك وهو أخص من القراءة، ويجوز أن تكون التلاوة هنا مجازا مرسلا عن التنزيل بعلاقة أن التنزيل لازم لها أو سببها في الجملة وأن تكون استعارة له لما بينهما من المشابهة فإن كلا منهما طريق للتبليغ فالمعنى ننزل عليك * (من نبإ موسىوفرعون) * أي من خبرهما العجيب الشأن، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول نتلو المحذوف أي نتلو شيثا كائنا من نبئهما.
والظاهر أن * (من) * تبعيضية، وجوز بعضهم كونها بيانية وكونها صلة على رأس الأخفش فنبأ مجرور، لفظا مرفوع محلا مفعول نتلو ويوهم كلام بعضهم أن * (من) * هو المفعول كأنه قيل: نتلو بعض نبأ وفيه بحث، وأيا ما كان فلا تجوز في كون النبأ متلوا لما أنه نوع من اللفظ، وقوله تعالى: * (بالحق) * متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل نتلو أي نتلو ملتبسين * (بالحق) * أو مفعوله أي نتلو شيئا من نبئهما ملتبسا بالحق أو وقع صفة ملصدر نتلو أي نتلو تلاوة ملتبسة بالحق؛ وقوله تعالى: * (لقوم يؤمنون) * متعلق بنتلو واللام للتعليل وتخصيص المؤمنين بالذكر مع عموم الدعوة والبيان لأنهم المنتفعون به، وقد تقدم الكلام في شمول * (يؤمنون) * للمؤمنين حالا واستقبالا في السورة السابقة، وقوله تعالى:
* (إن فرعون علا فى الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طآئفة منهم يذبح أبنآءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين) * * (إن فرعون علا في الأرض) * استئناف جار مجرى التفسير للمجمل الموعود وتصديره بحرف التأكيد للاعتناء بتحقيق مضمون ما بعده أي * (إن فرعون) * تجبر وطغى في أرض مصر وجاوز الحدود المعهودة في الظلم والعدوان * (وجعل أهلها شيعا) * أي فرقا يشيعونه في كل ما يريده من الشر والفساد أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو أصنافا في استخدامه يستعمل