دواعي البشرية * (وجعل لها رواسي) * من قوى البشرية والحواس * (وجعل بين البحرين) * بحر الروح وبحر النفس * (حاجزا) * (النمل: 61) وهو القلب * (أم من يجيب المضطر) * وهو المستعد لشيء من الأشياء * (إذا دعاه) * (النمل: 62) بلسان الاستعداد وطلب منه تعالى ما استعد له، وقال بعضهم: المضطر المستغرق في بحار شوقه تعالى: * (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة) * وهي النفس الناطقة والروح الإنساني * (من الأرض) * (النمل: 82) أي أرض البشرية وعلى هذا النمط تكلموا في سائر الآيات وسائق الشيخ الأكبر قدس سره قوله تعالى: * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب) * (النمل: 88) دليلا على ما يدعيه من تجدد الجواهر كالأعراض عند الأشعري وعدم بقائها زمانين، ومبنى ذلك عنده القول بوحدة الوجود وأنه سبحانه كل يوم هو في شأن، والكلام في صحة هذا المبنى واستلزامه للمدعي لا يخفي على العارض، وأما الاستدلال بهذه الآية لهذا المطلب فمن أمهات العجائب وأغرب الغرائب والله تعالى أعلم.
سورة القصص مكية كلها على ما روى عن الحسن. وعطاء. وطاوس. وعكرمة، وقال مقاتل: فيها من المدني قوله تعالى: * (الذين آتيناهم الكتاب من قبله) * إلى قوله تعالى: * (لا نبتغي الجاهلين) * (القصص: 55) فقد أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت هي وآخر الحديد في أصحاب النجاشي الذين قدموا وشهدوا واقعة أحد.
وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه أن الآية المذكورة نزلت بالجحفة في خروجه عليه الصلاة والسلام للهجرة، وقيل: نزلت بين مكة والجحفة، وقال المدائني في كتاب العدد حدثني محمد ثنا عبد الله قال: حدثني أبي قال: حدثني علي بن الحسين عن أحمد بن موسى عن يحيى بن سلام قال بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام بالجحفة وهو متوجه من مكة إلى المدينة فقال أتشتاق يا محمد إلى بلدك التي ولدت فيها؟ قال: نعم قال إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد الآية وهي ثمان وثمانون آية بالاتفاق، ووجه مناسبتها لما قبلها اشتمالها على شرح بعض ما أجمل فيه من أمر موسى عليه السلام.
قال الجلال السيوطي إنه سبحانه لما حكى في الشعراء قول فرعون لموسى عليه السلام: * (ألم نر بك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت) * (الشعراء: 18، 19) إلى قول موسى عليه السلام: * (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين) * (الشعراء: 21). ثم حكى سبحانه في طس قول موسى عليه السلام لأهله: * (إني آنست نارا) * (طه: 10) إلى آخره الذي هو في الوقوع بعد الفرار وكان الأمران على سبيل الإشارة والإجمال فبسط جل وعلا في هذه السورة ما أوجزه سبحانه في السورتين وفصل تعالى شأنه ما أجمله فيهما على حسب ترتيبهما فبدأ عز وجل بشرح تربية فرعون له مصدرا بسبب ذلك من علو فرعون وذبح أبناء بني إسرائيل الموجب لإلقاء موسى عليه السلام عند ولادته في اليمن خوفا عليه من الدبح وبسط القصة في تربيته وما وقع فيها إلى كبره إلى السبب الذي من أجله قتل القبطي إلى قتل القبطي وهي الفعلة التي فعل إلى النم عليه بذلك الموجب لفراره إلى مدين إلى ما وقع له مع شعيب عليه السلام وتزوجه بابنته إلى أن سار بأهله وآنس من جانب الطور ناراف فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا إلى ما وقع له فيها من المناجات لربه جل جلاله وبعثه تعالى إياه رسولا وما استتبع