تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٨٣
السبب الذي تضمنته الآيات الثلاث فحملتهم عليه أو خلقنا خروجهم * (من جنات وعيون) * كانت لهم بحافتي النيل كما روى عن ابن عمر. وغيره.
* (وكنوز ومقام كريم) * * (وكنوز) * أي أموال كنزوها وخزنوها تحت الأرض. وخصت بالذكر لأن الأموال الظاهرة أمور لازمة لهم لأنها من ضروريات معاشهم فإخراجهم عنها معلوم بالضرورة. وقيل: لأن أموالهم الظاهرة قد انطمست بالتدمير.
وتعقب بأن الإخراج قبل الانطماس إذ من جملة الأموال الظاهرة الجنات والاخبار عنهم بأنهم أخرجوا منها بعنوان كونها جنات والأصل فيه الحقيقة. وعلى تقدير تسليم أنه بعد يرد أن المدمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون وهو مفسر بالقصور والعمارات والجنات فيبقى ما سوى ذلك غير محكوم عليه بالتدمير من الأموال الظاهرة مع أنهم أخرجوا منه أيضا فيحتاج توجيه عدم التعرض له بغير ما ذكر.
وقيل: المراد بالكنوز أموالهم الباطنة والظاهرة وأطلق عليها ذلك لأنها لم ينفق منها في طاعة الله تعالى، ونقل ذلك عن مجاهد والأول أوفق باللغة. وأكثر جهلة أهل مصر يزعمون أن هذه الكنوز في المقطم من أرض مصر وأنها موجودة إلى الآن وقد بذلوا على إخراجها أموالا كثيرة لشياطين المغاربة وغيرهم فلم يظفروا إلا بالتراب أو حجر الكذاب، وقال ابن جبير: المراد بالعيون عيون الذهب وهو خلاف المتبادر، ومثله ما قاله الضحاك من أن المراد بالكنوز الأنهار.
* (ومقام كريم) * هي المساكن الحسان كما قال النقاش، وعن ابن لهيعة أنها كانت بالقيوم من أرض مصر، وقيل: مجالس الأمراء والأشراف والحكام التي تحفها الأتباع، وقيل: الأسرة في الكلل، وحكى الماوردي أنها مرابط الخيل، وعن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك أنها المنابر للخطباء. وقرأ قتادة. والأعرج * (ومقام) * بضم الميم من أقام.
* (كذلك وأورثن‍اها بنىإسراءيل) * * (كذالك) * إما في موضع نصب على أن يكون صفة لمصدر مقدر أي إخراجا مثل ذلك الإخراج أخرجنا، والإشارة إلى مصدر الفعل أو في موضع جر على أن يكون صفة لمقام أي مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، وعلى الوجهين لا يرد أنه يلزم تشبيه الشيء بنفسه كما زعم أبو حيان لما مر تحقيقه أو في موضع رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر كذلك، والمراد تقرير الأمر وتحقيقه. واختار هذا الطيبي فقال: هو أقوى الوجوه ليكون قوله تعالى: * (وأورثناها بني إسرائيل) * أي ملكناها لهم تمليك الإرث عطفا عليه، والجملتان معترضتان بين المعطوف عليه وهو * (فأخرجناهم) * والمعطوف وهو قوله تعالى:
* (فأتبعوهم مشرقين) * * (فأتبعوهم) * لأن الاتباع عقب الإخراج لا إلا يرث.
قال الواحدي: إن الله تعالى رد بني إسرائيل إلى مصر بعدما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لقوم فرعون من الأموال والعقار والمساكن، وعلى غير هذا الوجه يكون * (أورثنا) * عطف على * (أخرجنا) * ولا بد من تقدير نحو فاردنا إخراجهم وإيراث بني إسرائيل ديارهم فخرجوا وأتبعوهم انتهى، ويفهم من كلام بعض أن جملة * (أورثناها) * الخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه في جميع الأوجه، وما ذكر عن الواحدي من أن الله رد بني إسرائيل إلى مصدر بعدما أغرق فرعون وقومه ظاهره وقوع ذلك بعد الغرق من غير تطاول مدة.
وأظهر منه في هذا ما روى عن الحسن قال: كما عبروا البحر ورجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم؛ ورأيت في بعض الكتب أنهم رجعوا مع موسى عليه السلام وبقوا معه في مصر عشر سنين، وقيل: إنه رجع بعضهم بعد إغراق فرعون وهم الذين أورثوا أموال القبط وذهب الباقون مع موسى عليه السلام إلى أرض الشام.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»