وقرأ أبي " أن دمرناهم " بأن التي من شأنها أن تنصب المضارع ويجري في المصدر الاحتمالات السابقة فيه على قراءة * (أنا) * بفتح الهمزة. هذا وفي كيفية التدمير خلاف. فروي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا بعد ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله تعالى صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت عليهم فم الشعل فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب الله تعالى كلا منهم في مكانه ونجى صالحا ومن معه، وقيل: جاؤوا بالليل شاهري سيوفهم، وقد أرسل الله تعالى ملائكة ملء دار صالح عليه السلام فرموهم بالحجارة يرونها ولا يرون راميا وهلك سائر القوم بالصيحة وقيل: إنهم عزموا على تبييته عليه السلام وأهله فاخبر الله تعالى بذلك صالحا فخرج عنهم ثم أهلكهم بالصيحة وكان ذلك يوم الأحد.
* (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن فى ذالك لاية لقوم يعلمون) * * (فتلك بيوتهم) * حملة مقررة لما قبلها. وقوله تعالى: * (خاوية) * أي خالية أو ساقطة متهدمة أعاليها على أسافلها كما روي عن ابن عباس * (بما ظلموا) * أي بسبب ظلمهم المذكور حال من " بيوتهم " والعامل فيها معنى الإشارة. وقرأ عيسى بن عمر * (خاوية) * بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي خاوية أو خبر بعد خبر لتلك أو خبر لها و * (بيوتهم) * بدل وبيوتهم هذه هي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم لأصحابه عام تبوك " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين " الحديث. وهي بوادي القرى بين المدينة والشام * (إن في ذالك) * أي فيما ذكر من التدمير العجيب بظلمهم * (لآية) * لعبرة عظيمة * (لقوم يعلمون) * أي ما من شأنه أن يعلم من الأشياء أو لقوم يتصفون بالعلم، وقيل: لقوم يعلمون هذه القصة وليس بشيء، وفي هذه الآية على ما قيل دلالة على الظلم يكون سببا لخراب الدور.
وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية، وفي التوراة ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك، قيل وههو إشارة إلى هلاك الظالم إذ خراب بيته متعقب هلاكه، ولا يخفى أن كون الظلم بمعنى الجور والتعدي على عباد الله تعالى سببا لخراب البيوت مما شوهد كثيرا في هذه الأعصار، وكونه بمعنى الكفر كذلك ليس كذلك. نعم لا يبعد أن يكون على الكفرة يوم تخرب فيه بيوتهم إن شاء الله تعالى:
* (وأنجينا الذين ءامنوا وكانوا يتقون) * * (وأنجينا الذين ءامنوا) * صالحا ومن معه من المؤمنين * (وكانوا يتقون) * من الكفر والمعاصي اتقار مستمرا فلذا خصوا بالنجاة. روي أن الذين آمنوا به عليه السلام كانوا أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وحين دخلها مات ولذلك سميت بهذا الاسم وبني المؤمنون بها مدينة يقال لها حاضورا، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر * (ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون) * * (ولوطا) * منصوب بمضمر معطوف على " أرسلنا " في صدر قصة صالح عليه السلام داخل معه في حيز القسم أي وأرسلنا لوطا * (إذ قال لقومه) * ظرف للارسال على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الإرسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال. وجوز أن يكون منصوبا باضمار اذكر معطوفا على ما تقدم عطف قصة على قصة و * (إذ) * بدل منه بدلاشتمال وليس بذاك. وقيل: هو معطوف على " صالحا ". وتعقب بأنه غير مستقيم لأن صالحا بدل أو عطف بيان لأخاهم وقد قيد بقيد مقدم عليه وهو " إلى ثمود " فلو عطف عليه تقيد به ولا يصح لأن لوطا عليه السيلام لم يرسل إلى ثمود وهو متعين إذا تقدم القيد بخلاف ما لو تأخر، وقيل إن تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد لكنه خلاف المألوف في الخطابيات وارتكاب مثله تعسف لا يليق، وجوز أن يكون عطفا على الذين آمنوا