واستدل بذكر مريم عليها السلام مع الأنبياء في هذه السورة على أنها كانت نبية إذ قرنت معهم في الذكر.
وفيه أنه لا يلزم من ذكرها معهم كونها منهم ولعلها إنما ذكرت لأجل عيسى عليه السلام، وناسب ذكرهما هنا قصة زكريا وزوجه وابنهما يحيى للقرابة التي بينهم عليهم السلام.
* (إن هاذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) *.
* (إن هذه أمتكم) * خطاب للناس قاطبة، والإشارة إلى ملة التوحيد والإسلام وذلك من باب * (هذا فراق بيني وبينك) * وهذا أخوك تصور المشار إليه في الذهن وأشير إليه، وفيه أنه متميز أكمل التمييز ولهذا لم يبين بالوصف، والأمة على ما قاله صاحب المطلع أصلها القوم يجمتمعون على دين واحد ثم اتسع فيها حتى أطلقت على نفس الدين، والأشهر أنها الناس المجمعون على أمر أو في زمان وإطلاقها على نفس الدين مجاز، وظاهر كلام الراغب أنه حقيقة أيضا وهو المراد هنا، وأريد بالجملة الخبرية الأمر بالمحافظة على لك الملة ومراعاة حقوقها، والمعنى أن ملة الإسلام ملتكم التي يجب أن تحافظوا على حدودها وتراعوا حقوقها فافعلوا ذلك، وقوله تعالى: * (أمة واحدة) * نصب على الحال من * (أمة) * والعامل فيها اسم الإشارة، ويجوز أن يكون العامل في الحال غير العامل في صاحبها وإن كان الأكثر الاتحاد كما في شرح التسهيل لأبي حيان، وقيل بدل من * (هذه) * ومعنى وحدتها اتفاق الأنبياء عليهم السلام عليها أي إن هذه أمتكم أمة غير مختلفة فيما بين الأنبياء عليهم السلام بل أجمعوا كلهم عليها فلم تتبدل في عصر من الأعصار كما تبدلت الفروع، وقيل: معنى وحدتها عدم مشاركة غيرها وهو الشرك لها في القبول وصحة الاتباع.
وجوز أن تكون الإشارة إلى طريقة الأنبياء المذكورين عليهم السلام والمراد بها التوحيد أيضا، وقيل: هي إشارة إلى طريقة إبراهيم عليه السلام والكلام متصل بقصته وهو بعيد جدا، وأبعد منه بمراحل ما قيل إنها إشارة إلى ملة عيسى عليه السلام والكلام متصل بما عنده كأنه قيل وجعلناها وابنها آية العالمين قائلين لهم إن هذه أي الملة التي بعث بها عيسى أمتكم الخ بل لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا، وقيل: إن * (هذه) * إشارة إلى جماعة الأنبياء المذكورين عليهم السلام والأمة بمعنى الجماعة أي إن هؤلاء جماعتكم التي يلزمكم الاقتداء بهم مجتمعين على الحق غير مختلفين، وفيه جهة حسن كما لا يخفى، والأول أحسن وعليه جمهور المفسرين وهو المروى عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة، وجوز بعضهم كون الخطاب للمؤمنين كافة، وجعله الطيبي للمعاندين خاصة حيث قال في وجه ترتيب النظم الكريم: إن هذه السورة نازلة في بيان النبوة وما يتعلق بها والمخاطبون المعاندون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من بيان النبوة وتكريره تقريرا ومن ذكر الأنبياء عليهم السلام مسليا عاد إلى خطابهم بقوله تعالى شأنه: * (إن هذه أمتكم) * الخ أي هذه الملة التي كررتها عليهكم ملة واحدة أختارها لكم لتتمسكوا بها وبعبادة الله تعالى والقول بالتوحيد وهي التي أدعوكم إليها لتعضوا عليها بالنواجذ لأن سائر الكتب نازلة في شأنها والأنبياء كلهم مبعثون للدعوة إليها ومتفقون عليها، ثم لما علم إصرارهم قيل * (وتقطعوا) * الخ، وحاصل المعنى الملة واحدة والرب واحد والأنبياء عليهم السلام متفقون عليها وهؤلاء البعداء جعلوا أمر الدين الواحد فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء الواحد انتهى، والأظهر العموم، وأمر النظم عليه يؤخذ من كلام الطيبي بأدنى التفات. وقرأ الحسن * (أمتكم) * بالنصب على أنه بدل من * (هذه) * أو عطف بيان