تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٤٩
حيث تدرج في خلقهم، وذكر لبيان أن خلقه كذلك من دواعي عجلته في الأمور، والأظهر إرادة الجنس وإن كان خلقه عليه السلام وما يقتضيه ساريا إلى أولاده وما تقدم في سبب النزول لا يأباه كما لا يخفى، وقيل العجل الطين بلغة حمير، وأنشد أبو عبيدة لبعضهم:
النبع في الصخرة الصماء منبته * والنخل منبته في الماء والعجل واعترض بأنه لا تقريب لهذا المعنى ههنا، وقال الطيبي: يكون القصد عليه تحقير شأن جنس الإنسان تتميما لمعنى التهديد في قوله تعالى: * (سأوريكم ءاياتي فلا تستعجلون) * والمعول عليه المعنى الأول، والخطاب للكفرة المستعجلين، والمراد بآياته تعالى نقماته عز وجل، والمراد بإراءتهم إياها إصابته تعالى إياهم بها، وتلك الإراءة في الآخرة على ما يشير إليه ما بعد، وقيل فيها وفي الدنيا، والنهي عن استعجالهم إياه تعالى بالإتيان بها مع أن نفوسهم جبلت على العجلة ليمنعوها عما تريده وليس هذا من التكليف بما لا يطاق لأن الله تعالى أعطاهم من الأسباب ما يستطيعون به كف النفس عن مقتضاها ويرجع هذا النهي إلى الأمر بالصبر. وقرأ مجاهد. وحميد وابن مقسم * (خلق الإنسان) * ببناء * (خلق) * للفاعل ونصب * (الإنسان) *.
* (ويقولون متى ه‍اذا الوعد إن كنتم ص‍ادقين) *.
* (ويقولون متى هذا الوعد) * أي وقت وقوع الساعة الموعود بها، وكانوا يقولون ذلك استعجالا لمجيئه بطريق الاستهزاء والإنكار كما يرشد إليه الجواب لا طلبا لتعيين وقته بطريق الإلزام كما في سورة الملك، و * (متى) * في موضع رفع على أنه خبر لهذا.
ونقل عن بعض الكوفيين أنه في موضع نصب على الظرفية والعامل فيه فعل مقدر أي متى يأتي هذا الوعد * (إن كنتم صادقين) * بأنه يأتي؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين يتلون الآيات الكريمة المنبئة عن إتيان الساعة، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه فإن قولهم: * (متى هذا الوعد) * حيث كان استبطاء منهم للموعود وطلبا لإتيانه بطريق العجلة في قوة طلب إتيانه بالعجلة فكأنه قيل إن كنتم صادقين فليأتنا بسرعة [بم وقوله تعالى:
* (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون) *.
* (لو يعلم الذين كفروا) * استئناف مسوق لبيان شدة هول ما يستعجلونه وفظاعة ما فيه من العذاب وأنهم إنما يستعجلونه لجهلهم بشأنه، وإيثار صيغة المضارع في الشرط وإن كان المعنى على المضي لإفادة استمرار عدم العلم بحسب المقام وإلا فكثيرا ما يفيد المضارع المنفي انتفاء الاستمرار، ووضع الموصول موضع الضمير للتنبيه بما في حيز الصلة على علة استعجالهم.
وقوله تعالى: * (حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم) * مفعول * (يعلم) * على ما اختاره الزمخشري وهو عبارة عن الوقت الموعود الذي كانوا يستعجلونه، وإضافته إلى الجملة الجارية مجرى الصفة التي حقها أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند المخاطب أيضا مع إنكار الكفرة ذلك للإيذان بأنه من الظهور بحيث لا حاجة إلى الإخبار به وإنما حقه الانتظام في سلك المسلمات المفروغ عنها، وجواب * (لو) * محذوف أي لو لم يستمر عدم علمهم بالوقت الذي يستعجلونه بقولهم: * (متى هذا الوعد) * وهو الوقت الذي تحيط بهم النار فيه من كل جانب، وتخصيص الوجوه والظهور بالذكر بمعنى القدام والخلف لكونهما أشهر الجوانب
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»