فإن أكثر ما جاء في العذاب، وقال الإمام: إن الذوق إدارك خاص وهو ههنا مجاز عن أصل الإدراك ولا يمكن إجراؤه على ظاهره لأن الموت ليس من جنس الطعام حتى يذاق، وذكر أن المراد من الموت مقدماته من الآلام العظيمة لأنه قبل دخوله في الوجود ممتنع الإدراك وحال وجوده يصير الشخص ميتا والميت لا يدرك. وتعقب بأن المدرك النفس المفارقة وتدرك ألم مفارقتها البدن * (ونبلوكم) * الخطاب إما للناس كافة بطريق التلوين أو للكفرة بطريق الالتفات أي نعاملكم معاملة من يختبركم * (بالشر والخير) * بالمكروه والمحبوب هل تصبرون وتشكرون أولا.
وتفسير الشر والخير بما ذكر مروي عن ابن زيد، وروى عن ابن عباس أنهما الشدة والرخاء، وقال الضحاك: الفقر والمرض والغنى والصحة، والتعميم أولى، وقدم الشر لأنه اللائق بالمنكر عليهم أو لأنه ألصق بالموت المذكور قبله. وذكر الراغب أن اختبار الله تعالى للعباد تار بالمسار ليشكروا وتارة بالمضار ليصبروا فالمنحة والمحنة جميعا بلاء فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر فالمنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر رضي الله تعالى عنه: بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر، ولهذا قال علي كرم الله تعالى وجهه: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله اه، ولعله يعلم منه وجه لتقديم الشر * (فتنة) * أي ابتلاء فهو مصدر مؤكد لنبلوكم على غير لفظه.
وجوز أن يكون مفعولا له أو حالا على معنى نبلوكم بالشر والخير لأجل إظهار جودتكم ورداءتكم أو مظهرين ذلك فتأمل ولا تغفل * (وإلينا ترجعون) * لا إلى غيرنا لا استقلالا ولا اشتراكا فنجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال، فهو على الأول من وجهي الخطاب وعد ووعيد وعلى الثاني منهما وعيد محض. وفي الآية إيما إلى أن المراد من هذه الحياة الدنيا الابتلاء والتعريض للثواب والعقاب. وقرىء * (يرجعون) * بياء الغيبة على الالتفات.
* (وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهاذا الذى يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمان هم كافرون) *.
* (وإذا رءاك الذين كفروا) * أي المشركون * (إن يتخذونك إلا هزوا) * أي ما يتخذونك إلا مهزوأ به على معنى قصر معاملتهم معه صلى الله عليه وسلم على اتخاذهم إياه عاملهم الله تعالى بعدله هزوا لا على معنى قصر اتخاذهم على كونه هزوا كما هو المتبادر كأنه قيل ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزوا.
والظاهر أن جملة * (إن يتخذونك) * الخ جواب * (إذا) * ولم يحتج إلى الفاء كما لم يحتج جوابها المقترن بما إليها في قوله تعالى: * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم) * (الجاثية: 25) وهذا بخلاف جواب غير إذا من أدوات الشرط المقترن بما فإنه يلزم فيه الاقتران بالفاء نحو إن تزرنا فما نسيء إليك، وقيل الجواب محذوف وهو يقولون المحكى به قوله تعالى: * (أهاذا الذي يذكر ءالهتكم) * وقوله سبحانه * (إن يتخذونك) * الخ اعتراض وليس بذاك، نعم لا بد من تقدير القول فيما ذكر وهو إما معطوف على جملة * (أن يتخذونك) * أو حال أي ويقولون أو قائلين والاستفهام للإنكار والتعجب ويفيدان أن المراد يذكر آلهتكم بسوء؛ وقد يكتفي بدلالة الحال عليه كما في قوله تعالى: * (سمعنا فتى يذكرهم) * (الأنبياء: 60) فإن ذكر العدو لا يكون إلا بسوء وقد تحاشوا عن التصريح أدبا مع آلهتهم. وفي " مجمع البيان " تقول العرب ذكرت فلانا أي عبته، وعليه قوله عنترة: لا تذكري مهري وما أطعمته * فيكون جلدك مثل جلد الأجرب