تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٧٢
فأمرهم بالتسبيح إشارة إلى حصول أمر عجيب، وقيل: إنه عليه السلام كان قد أخبر قومه بما بشر به قبل جعل العلامة فلما تعذر عليه الكلام أشار إليهم بحصول ما بشر به من الأمر العجيب فسروا بذلك.
وقرأ طلحة * (أن سبحوه) * بهاء الضمير عائدة إلى الله تعالى، وروى ابن غزوان عن طلحة * (أن سبحن) * بنون مشددة.
* (يايحيى خذ الكت‍اببقوة وآتيناه الحكم صبيا) * * (يا يحيى) * على تقدير القول وكلام آخر حذف مسارعة إلى الأنباء بإنجاز الوعد الكريم أي فلما ولد وبلغ سنا يؤمر مثله فيه قلنا يا يحيى * (خذ الكتاب) * أي التوراة، وادعى ابن عطية الإجماع على ذلك بناء على أن ال للعهد ولا معهود إذ ذاك سواها فإن الإنجيل لم يكن موجودا حينئذ وليس كما قال بل قيل: له عليه السلام كتاب خص به كما خص كثير من الأنبياء عليهم السلام بمثل ذلك، وقيل: المراد بالكتاب صحف إبراهيم عليه السلام، وقيل: المراد الجنس أي كتب الله تعالى: * (بقوة) * بجد واستظهار وعمل بما فيه، وقائل ذلك هو الله تعالى على لسان الملك كما هو الغالب في القول للأنبياء عليه السلام، وأبعد التبريزي فقدر قال له أبوه حين ترعرع ونشأ: يا يحيى الخ، ويزيده بعدا قوله تعالى: * (وءاتيناه الحكم صبيا) *.
أخرج أبو نعيم. وابن مردويه. والديلمي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك: أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين، وجاء في رواية أخرى عنه مرفوعا أيضا قال الغلمان ليحسى بن زكريا عليهما السلام: اذهب بنا نلعب فقال: أللعب خلقنا، اذهبوا نصلي فهو قوله تعالى: * (وءاتيناه الحكم صبيا) * والظاهر أن الحكم على هذا بمعنى الحكمة، وقيل: هي بمعنى العقل، وقيل معرفة آداب الخدمة، وقيل الفراسة الصادقة وقيل النبوة وعليه كثير قالوا: أوتيها وهو ابن سبع سنين أو ابن ثلاث أو ابن سنتين ولم ينبأ أكثر الأنبياء عليهم السلام قبل الأربعين، والجملة عطف على قلنا المقدر.
* (وحنانا من لدنا وزكواة وكان تقيا) * * (وحنانا من لدنا) * عطف على * (الحكم) * وتنوينه للتفخيم وهو في الأصل من حن إذا ارتاح واشتاق ثم استعمل في الرحمة والعطف، ومنه الحنان لله تعالى خلافا لمن منع إطلاقه عليه عز وجل، وإلى تفسيره بالرحمة هنا ذهب الحسن. وقتادة. والضحاك. وعكرمة. والفراء. وأبو عبيدة وهو رواية عن ابن عباس، ويروى أنه أنشد في ذلك لابن الأرزق قول طرفة. أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا * حنانيك بعض الشر أهون من بعض وأنشد سيبويه قول المنذر بن درهم الكلبي: وأحدث عهد من أمينة نظرة * على جانب العلياء إذ أنا واقف تقول حنان ما أتى بك ههنا * أذو نسب أم أنت بالحي عارف والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي وآتيناه رحمة عظيمة عليه كائنة من جنابنا وهذا أبلغ من ورحمناه وروي هذا التفسير عن مجاهد، وقيل: المراد وآتيناه رحمة في قلبه وشفقة على أبويه وغيرهما، وفائدة الوصف على هذا الإشارة إلى أن ذلك كان مرضيا لله عز وجل فإن من الرحمة والشفقة ما هو غير مقبول كالذي يؤدي إلى ترك شيء من حقوق الله سبحانه كالحدود مثلا أو الإشارة إلى أن تلك الرحمة زائدة على ما في جبلة غيره عليه السلام لأن ما يهبه العظيم عظيم. وأورد على هذا أن الإفراط مذموم كالتفريط وخير الأمور أوسطها. ورد بأن مقام المدح يقتضي ذلك. ورب
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»