بواوين الأولى فاء الكلمة الأصلية والثانية بدل ألف فاعل لأنها تقلب واوا في التصغير كضويرب ولما وقعت الواو مضمومة قبل أخرى في أوله قلبت همزة كما تقرر في التصريف ونقل عنه أنه قال التصغير لصغيره فإنه عليه السلام تورث عنهم أموالهم لأن الوراثة حقيقية في وراثة المال ولا داعي إلى الصرف عن الحقيقة، وقد ذكر الجلال السيوطي في " الذر المنثور " عن ابن عباس. ومجاهد وعكرمة. وأبي صالح أنهم قالوا في الآية: يرثني مالي وأخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد. وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أنه صلى الله عليه وسلم قال في الآية: يرحم الله تعالى أخي زكريا ما كان عليه من ورثة وفي رواية ما كان عليه ممن يرث ماله، وقال بعضهم: إن الوراثة ظاهرة في ذلك ولا يجوز ههنا حملها على وراثة النبوة لئلا يلغو قوله: * (واجعله رب رضيا) * ولا على وراثة العلم لأنه كسبي والموروث حاصل بلا كسب. ومذهب أهل السنة أن الأنبياء عليهم السلام لا يرثون مالا ولا يورثون لماصح عندهم من الأخبار.
وقد جاء ذلك أيضا من طريق الشيعة فقد روى الكليني في الكافي عن أبي البختري عن أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن العلماء ورثة الأنبياء وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ بحظ وافر، وكلمة إنما مفيدة للحصر قطعا باعتراف الشيعة، والوراثة في الآية محمولة على ما سمعت ولا نسلم كونها حقيقة لغوية في وراثة المال بل هي حقيقة فيما يعم وراثة العلم والمنصب والمال وإنما صارت لغلبة الاستعمال في عرف الفقهاء مختصة بالمال كالمنقولات العرفية ولو سلمنا أنها مجاز في ذلك فهو مجاز متعارف مشهور خصوصا في استعمال القرآن المجيد بحيث يساوي الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى: * (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) * (فاطر: 32) وقوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب) * (الأعراف: 169) وقوله تعالى: * (إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم) * (الشورى: 14) وقوله تعالى: * (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) * (الأعراف: 128) * () * ولله ميراث السموات والأرض) * (آل عمران: 180) قولهم لا داعي إلى الصرف عن الحقيقة قلنا: الداعي متحقق وهي صيانة قول المعصوم عن الكذب ودون تأويله خرط القتاد، والآثار الدالة على أنهم يورثون المال لا يعول عليها عند النقاد، وزعم البعض أنه لا يجوز حمل الوراثة هنا على وراثة النبوة لئلا يلغو قوله: * (واجعله رب رضيا) * (مريم: 6) قد قدمنا ما يعلم منه ما فيه. وزعم أن كسبية الشيء تمنع من كونه موروثا ليس بشيء فقد تعلقت الوراثة بما ليس بكسبي فيكلام الصادق، ومن ذلك أيضا ما رواه الكليني في الكافي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: إن سليمان ورث داود وإن محمدا صلى الله عليه وسلم ورث سليمان عليه السلام فإن وراثة النبي صلى الله عليه وسلم سليمان عليه السلام لا يتصور أن تكون وراثة غير العلم والنبوة ونحوهما، ومما يؤيد حمل الوراثة هنا على وراثة العلم ونحوه دون المال أنه ليس في الأنظار العالية والهمم العلياء للنفوس القدسية التي انقطعت من تعلقات هذا العالم المتغير الفاني واتصلت بالعالم الباقي ميل للمتاع الدنيوي قدر جناح بعوضة لا سيما جناب زكريا عليه السلام فإنه كان مشهورا بكمال الانقطاع والتجرد فيستحيل عادة أن يخاف من وراثة المال والمتاع الذي ليس له في نظره العالي أدنى قدر أو يظهر من أجله الكلف والحزن والخوف ويستدعي من حضرة الحق سبحانه وتعالى ذلك النحو من الاستدعاء وهو يدل على كمال المحبة وتعلق القلب بالدنيا، وقالت الشيعة: إنه عليه السلام خاف أن يصرف بنو عمه ماله بعد موته فيما لا ينبغي