تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٤
بالكمالات النظرية والعلمية والأب الصالح بالعقل المفارق الذي كمالاته بالفعل وبلوع الأشد بوصولهما بتربية الشيخ وإرشاده إلى المرتبة الكاملة وهذا ما اختاره النيسابوري، واختار غيره تأويلا آخر هو ادهى منه. هذا والله تعالى الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
* (ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا) * * (ويسألونك عن ذي القرنين) * كان السؤال على وجه الامتحان والسائلون في المشهور قريش بتلقين اليهود، وقيل: اليهود أنفسهم وروى ذلك عن السدي، وأكثر الآثار تدل على أن الآية نزلت بعد سؤالهم فالتغبير بصيغة الاستقبال لاستحضار الصورة الماضية لما أن في سؤالهم على ذلك الوجه مع مشاهدتهم من أمره صلى الله عليه وسلم ما شاهدوا نوع غرابة، وقيل: للدلالة على استمرارهم على السؤال إلى ورود الجواب، وبعض الآثار يدل على أن الآية نزلت قبل، فعن عقبة بن عامر قال: إن نفرا من أهل الكتاب جاؤوا بالصحف أو الكتب فقالوا لي: استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لندخل عليه فانصرفت إليه عليه الصلاة والسلام فاختبرته بمكانهم فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي ولهم يسألونني عما لا أعلم إنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علمني ربي ثم قال: ائتني بوضوء أتوضأ به فاتيته فتوضأ ثم قام إلى مسجد في بيته فركع ركعتين فانصرف حتى بدا السرور في وجهه ثم قال: اذهب فادخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي فادخلتهم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن شئتم اخبرتكم بما سألتموني عنه وإن شئتم غير ذلك فافعلوا، والجمهور على الأول ولم تثبت صحة هذا الخبر.
واختلف في ذي القرنين فقيل: هو ملك أهبطه الله تعالى إلى الأرض وآتاه من كل شيء سببا وروي ذلك عن جبير بن نفير، واستدل على ذلك بما أخرجه ابن عبد الحكم. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن الأنباري في كتاب الأضداد. وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلا ينادي بمنى ياذا القرنين فقال له همر: ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء فما لكم وأسماء الملائكة، وهذا قول غريب بل لا يكاد يصح، والخبر على فرض صحته ليس نصا في ذلك إذ يحتمل ولو على بعد أن يكون المراد أن هذا الاسم من أسماء الملائكة عليهم السلام فلا تسموا به أنتم وأن تسمى به بعض من قبلكم من الناس.
وقيل: هو عبد صالح ملكه الله تعالى الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة ولا نعرف من هو وذكر في تسميته بذي القرنين وجوه، الأول أنه دعا إلى طاعة الله تعالى فضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه الله تعالى فدعا فضرب على قرنه الأيسر فمات ثم بعثه الله تعالى فسمي ذا القرنين وملك ما ملك وروي هذا عن علي كرم الله تعالى وجهه، والثاني أنه انقرض في وقته قرنان من الناس، الثالث أنه كانت صفحتا رأسه من نحاس وروي ذلك عن وهب بن منبه، الرابع أنه كان في رأسه قرنان كالظلفين وهو أول من لبس العمامة ليسترهما وروي ذلك عن عبيد بن يعلى، الخامس أنه كان لتاجه قرنان، السادس أنه طاف قرنى الدنيا أي شرقها وغربها وروي ذلك مرفوعا، السابع أنه كان له غديرتان وروي ذلك عن قتادة. ويونس بن عبيد، الثامن أنه سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النرو من أمامه وتمتد الظلمة من ورائه، التاسع أنه دخل النور والظلمة، العاشر أنه رأى في منامه كأنه صعد إلى الشمس وأخذ بقرنيها.
الحادي عشر أنه يجوز أن يكون قد لقب بذلك لشجاعته كأنه ينطح أقرانه كما لقب أزدشير بعمن بطويل اليدين لنفوذ أمره حيث أراد، ولا يخفي أنه يبعد عدم معرفة رجل مكن له ما مكن في الأرض وبلغ من الشهرة ما بلغ في طولها والعرض، وأما الوجوع المذكورة في وجه تسميته ففيها ما لا يكاد يصح ولعله غير خفي عليك
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»