تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٣
قال الراغب: الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه وأصله من كنزت التمر في الوعاء، واستشكل تفسير الكنز بما ذكر بأن الظاهر أن الكانز له أبوهما لاقتضاء * (لهما) * له إذا لا يكون لهما إلا إذا كان إرثا أو كانا قد استخرجاه والثاني منتف فتعين الأول وقد وصف بالصلاح، ويعارض ذلك ما جاء في ذم الكانز. وأجيب بأن المذموم ما لم تؤد منه الحقوق بل لا يقال لما أديبت منه كنز شرعا كما يدل عليه عند القائلين بالمفهوم حديث كل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز فإن النبي صلى الله عليه وسلم بصدد بيان الأحكام الشرعية لا المفاهيم اللغوية لأنها معلومة للمخاطبين ولا يعتبر في مفهومه اللغوي المراد هنا شيء من الإخراج وعدمه، والوصف بالصلاح قرينة على أنه لم يكن من الكنز المذموم، ومن قال: إن الكنز حرام مطلقا ادعى أنه لم يكن كذلك في شرع من قبلنا، واحتج عليه بما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء في هذه الآية قال: أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز.
وأخرج عبد الرزاق. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن قتادة نحو ذلك وفيه فلا يعجبن الرجل فيقول ما شأن الكنز حل لمن قبلنا وحرم علينا فإن الله تعالى يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء وهي السنن والفرائض تحل لأمة وتحرم على أخرى، وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال: ما كان ذهبا ولا فضة ولكن كان صحب علم وروى ذلك أيضا عن ابن جبير، وأخرج ابن مردويه من حديث علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا والبزار عن أبي ذر كذلك، والخرائطي عن ابن عباس موقوفا أنه كان لوحا من ذهب مكتوبا فيه عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنه مكتوب في أحد شقيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبت الخ؛ في الشق الآخر أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه وجمع بعضهم بأن المراد بالكنز ما يشمل جميع ذلك بناء على أنه المال المدفون مطلقا، وكل من المذكورات مال كان مدفونا إلا أنه اقتصر في كل من الروايات على واحد منها وفيه أنه على بعده يأباه ظاهر قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما كان ذهبا ولا فضة * (وكان أبوهما صالحا) * الظاهر أنه الأب الأقرب الذي ولدهما، وذكر أن اسمه كاشح وأن اسم أمهما دهنا، وقيل: كان الأب العاشر، وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه كان الأب السابع. وأيا كان ففي الآية دلالة على أن صلاح الآباء يفيد العناية بالأبناء، وأخرج ابن أبي شيبة. وأحمد في الزهد. وابن أبي حاتم عن خيثمة قال: قال عيسى عليه السلام طوبى لذرية المؤمن ثم طوبى لهم كيف يحفظون من بعده وتلا خيثمة هذه الآية.
وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن وهب قال: إن الله تعالى ليحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس، وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه قال لبعض الخورج في كلام جرى بينهما بم حفظ الله تعالى مال الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما قال فأبى وجدي خير منه فقال الخارجي أنبأنا الله تعالى: إنكم قوم خصمون، وذكر من صلاح هذا الرجل إن الناس كانوا يضعون عنده الودائع فيردها إليهم كما وضعوها، ويروى أنه كان سياحا * (فأراد ربك) * مالكك ومدبر أمورك، ففي إضافة الرب إلى ضمير موسى عليه السلام دون
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»