تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٩
بينهم وبين العلماء أن تلك العلوم بالنسبة إلى العلماء نظرية واستدلالية وبالنسبة إليهم تصير كشفية وضرورية.
وقال أيضا: أعلم أن الشريعة والحقيقة متحدان في الحقيقة ولا فرق بينهما إلا بالإجمال والتفصيل وبالاستدلال والكشف بالغيب والشهادة وبالتعمل وعدم التعمل واللشريعة من ذلك الأول وللحقيقة الثاني وعلامة الوصول إلى حقيقة حق اليقين مطابقة علومه ومعارفه لعلوم الشريعة ومعارفها وما دامت المخالفة موجودة ولو أدنى شعرة فذلك دليل على عدم الوصول، وما وقع في عبارة بعض المشايخ من أن الشريعة قشر والحقيقة لب فهو وإن كان مشعرا بعدم استقامة قائله ولكن يمكن أن يكون مراده أن المجمل بالنسبة إلى المفصل حكمه حكم القشر بالنسبة إلى اللب وإن الاستدلال بالنسبة إلى الكشف كذلك، والأكابر المستقيمة أحوالهم لا يجوزون الاتيان بمثل هذه العبارات الموهمة إلى غير ذلك من عباراته الشريفة التي لا تكاد تحصى.
وقال سيدي القطب الرباني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره: جميع الأولياء لا يستمدون إلا من كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلمولا يعملون إلا بظاهرهما، وقال سيد الطائفة الجنيد قدس سره: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام. وقال أيضا: من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في هذا العلم لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة، وقال السرى السقطي: التصوف اسم لثلاثة معان وهو لا يطفىء نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بسر باطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكاتب ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله، وقال أيضا قدس سره: من ادعى باطن علم ينقضه ظاهر حكم فهو غالط.
وقال أبو الحسين النوري: من رأيته يدعي مع الله تعالى حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربه ومن رأيته يدعي حالة لا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه على دينه، وقال أبو سعيد الخراز: كل فيض باطن يخالفه ظاهر فهو باطل.
وقال أبو العباس أحمد الدينوري: لسان الظاهر لا يغير حكم الباطن، وفي التحفة لابن حجر قال الغزالي: من زعم أن له مع الله تعالى حالا أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم شرب الخمر وجب قتله وإن كان في الحكم بخلوده في النار نظر وقتل مثله أفضل من قتل مائة كافر لأن ضرره أكثر انتهى، ولا نظر في خلوده لأنه مرتد لاستحلاله ما علمت حرمته أو نفيه وجوب ما علم وجوبه ضرورة فيهما، ومن ثم جزم في الأنوار بخلوده انتهى.
وقال في الاحياء: من قال إن الباطن يخالف الظاهر فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان إلى غير ذلك، وفي رسالة القشيري طرف منه، والذي ينبغي أن يعلم أن كلام العارفين المحققين وإن دل على أنه لا مخالفة بين الشريعة والطريقة والحقيقة في الحقيقة لكنه يدل أيضا على أن في الحقيقة كشوفا وعلوما غيبية ولذا تراهم يقولون: علم الحقيقة هو العلم اللدني. وعلم المكاشفة. وعلم الموهبة. وعلم الأسرار. والعلم المكنون. وعلم الوراثة إلا أن هذا لا يدل على المخالفة فإن الكشوف والعلوم الغيبية ثمرة الإخلاص الذي هو الجزء الثالث من أجزاء الشريعة فهي بالحقيقة مترتبة على الشريعة ونتيجة لها ومع هذا لا تغير تلك الكشوف والعلوم الغيبية حكما شرعيا ولا تقيد مطلقا ولا تطلق مقيدا خلافا لما توهمه ساجقلي زاده حيث قال في شرح عبارة الإحياءالسابقة آنفا: يريد الغزالي من الباطن ما ينكشف لعلماء الباطن من حل بعض الأشياء لهم مع أن الشارع حرمه على عباده مطلقا فيجب أن يقال: إنما انكشف حله لهم لما انكشف لهم من سبب خفي يحلله لهم وتحريم الشارع تعالى ذلك على عباده مقيد بانتفاء انكشاف السبب المحلل لهم فمن انكشف له ذلك السبب حل له ومن لا فلا لكن الشارع سبحانه حرمه على عاده على الإطلاق وترك ذلك القيد لندرة وقوعه إذ من ينكشف
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»