تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٨
والمذكور في كتب التواريخ أن ملوك اليمن إلى أن غلبت الحبشة عليها من أبناء قحطان. وأورد على هذا القول في ذي القرنين أنه لم يوجد في كتب التواريخ المعتبرة سمي ابن عمير بن افريقيس في عداد ملوك اليمن والمذكور إنما هو شمر بصيغة فعل الماضي من التشمير بن افريقيس ولم يذكروا بينه وبين افريقيس عميرا وقد ذكر بعضهم فيه أنه ذو القرنين وقالوا: إنه يقال له شمرير عش لارتعاش كان فيه فلعل سمي محرف عن شمر وابن عمير محرف من يرعش، وقد ذكروا في أبيه افريقيس أنه غزا نحو المغرب في أرض البربر حتى أتى طنجة ونقل البربر من أرض فلسطين ومصر والساحل إلى مساكنهم اليوم وأنه هو الذي بنى أفريقية وبه سميت وكان ملكه مائة وأربعا وستين سنة، وفيه أنه خرج نحو العراق وتوجه نحو الصين وأنه قلع المدينة التي تسمى اليوم سمرقند وقالوا: إنها معرب شمركند وإلى ذلك يشير دعبل الخزاعي بقوله يفتخر بملوك اليمن: هموا كتبوا الكتاب بباب مرو * وباب الشاش كانوا الكاتبينا وهم سموا بشمر سمرقندا * وهم غرسوا هناك النابتينا وأنه إنما لقب بذي القرنين لذؤابتين كانتا له وكان ملكه على ما قال ابن قتيبة مائة وسبعا وثلاثين سنة وعلى ما قال المسعودي ثلاثا وخمسين سنة وعلى ما قال غيرهما سبعا وثمانين سنة، ثم إن هذا لم يكن بأبي كرب وإنما الكنى به على ما رأيناه في بعض التواريخ أسعد بن كليكرب ويقال له تبع الأوسط ويذكر أنه آمن بنبينا صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وفي ذلك يقول: شهدت على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرا له وابن عم وذكروا أنه كان شديد الوطأة كثير الغزو فلمه قومه فأغروا ابنه حسان على قتله فقتله، ولا يخفى أن كلا هذين الشخصين لا يصح أن يكون المراد بذي القرنين الذي ذكر أنه لقي إبراهيم عليه السلام أما الأول فلأنهم ذكروا أنه ملك بعد ياسر ينعم ابن عمرو وملك ياسر بعد بلقيس زوجة سليمان عليه السلام وكان عمها فكيف يتصور أن يكون هذا ذاك مع بعد زمان ما بين إبراهيم وسليمان عليهما السلام. وأما الثاني فلأنه بعد هذا بكثير مع أنه لم يطلق عليه أحد ذا القرنين ولا نسب إليه غزوا في مشارق الأرض ومغاربها ورأيت في بعض الكتب أن في زمن منو جهر بن ايرج بن افريدون بعث موسى عليه السلام وكان ملك اليمن في زمانه شمر أبا الملوك وكان في طاعته انتهى، وعليه أيضا لا يمكن أن يكون شمر هذا هوذا القرنين السابق وهو ظاهر وإذا أسقطت جميع هذه الأقوال عن الاعتبار بناء على ما قيل إن أخبار ملوك اليمن مضطربة لا يكاد يوقف على روايتين متفقتين فيها واعتبرت القول بأنه كان في زمن إبراهيم عليه السلام ملك منهم هو ذو القرنين بناء على حسن الظن بقائل ذلك أشكل الأمر من وجه آخر وهو أن كتب التواريخ قاطبة ناطقة بأن فريدون كان في زمان إبراهيم عليه السلام وأنه قسم المعمورة بين بنيه الثلاثة حسبما تقدم فكيف يتسنى مع هذا القول بأن ذا القرنين رجل من ملوك اليمن كان في ذلك الزمان أيضا، ويجىء نحو هذا الإشكال إذا قلنا إن ذا القرنين هو أحد الإسكندرين اليوناني والرومي وقلنا بأنه كان في زمن إبراهيم عليه السلام أيضا، والحاصل أن القول بأن فريدون كان في ذلك الزمان وكان مالكا المعمورة كما في عامة تواريخ الفرس يمنع القول بأن ذا القرنين في ذلك الزمان غيره بل القول بوجود أحد الثلاثة من فريدون وذي القرنين التبعي وأحد الإسكندرين
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»