أرى الذي في وجوهكم فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم دعى القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم أما والله لما سبقوكم به من الفضل أشد عليكم فوتا من باب هذا الذي تنافسون عليه. وفي " الكشاف " أنه قال: إنما أتينا من قبلنا أنهم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة ولئن حسدتوهم على باب عمر لما أعد الله تعالى لهم في الجنة أكبر. وقرىء * (أكثر تفضيلا) * بالثاء المثلثة، هذا وجوز أن يراد بما به الإمداد العطايا العاجلة فقط، وحمل القصر المذكور على دفع توهم اختصاصها بالفريق الأول فإن تخصيص إرادتهم لها ووصلهم إليها بالذكر من غير تعرض لبيان النسبة بينها وبين الفريق الثاني إرادة ووصولا مما يوهم اختصاصها بالأولين فالمعنى كل الفريقين نمد بالعطايا العاجلة لا من ذكرنا إرادته لها فقط من الفريق الأول من عطاء ربك الواسع وما كان عطاؤه الدنيوي محظورا من أحد ممن يريد وممن يريد غيره انظر كيف فضلنا في ذلك العطاء بعض كل من الفريقين على بعض آخر منهما وللآخرة الخ، وإلى نحو هذا ذهب الحسن. وقتادة فقد روى عنهما أنهما قالا: في معنى الآية إن الله تعالى يرزق في الدنيا مريدي العاجلة الكافرين ومريدي الآخرة المؤمنين ويمد الجميع بالرزق، وذكر الرزق من بين ما به الإمداد قيل على سبيل التمثيل، وقيل تخصيص لدلالة السياق.
وجوز أن يكون المراد به معناه اللغوي فيتناول الجاه ونحوه كما يقال السعادة أرزاق، واعتبر الجمهور عدم المحظورية بالنسبة إلى الفريق الأول تحقيقا لشمول الإمداد له حيث قالوا: لا يمنعه من عاص لعصيانه. واعترض بأنه يقتضي كون القصر لدفع توهم اختصاص الإمداد الدنيوي بالفريق الثاني مع أنه لم يسبق في الكلام ما يوهم ثبوته له فضلا عن إيهام اختصاصه وفيه تأمل، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى * (من عطاء ربك) * من الطاعات ويمد بها مريد الآخرة والمعاصي ويمد بها مريد العاجلة فيكون العطاء عبارة عما قسم الله تعالى للعبد من خير أو شر، وأنت تعلم أنه يبعد غاية البعد إرادة المعاصي من العطاء ولعل نبة ذلك للحبر غير صحيحة فلا تغفل. واعلم أن التقسيم الذي تضمنته الآية غير حاصر وذلك غير مضر والتقسيم الحاصر أن كل فاعل إما أن يريد بفعله العاجلة فقط أو يريد الآخرة فقط أو يريدهما معا أو لم يرد شيئا والقسمان الأولان قد علم حكمهما من الآية، والقسم الثالث ينقسم إلى ثلاثة أقسام لأنه إما تكون إرادة الآخرة ارجح أو تكون مرجوحة أو تكون الإرادتان متعادلتين، وفي قبول العمل في القسم الأول بحث عند الإمام قال: يحتمل عدم القبول لما روى عن رب العزة جل شأنه: * (أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه غيري تركته وشركه ".
ويمكن أن يقال: إذا كانت إرادة الآخرة راجحة على إرادة الدنيا تعارض المثل بالمثل فيبقى القدر الزائد خالصا للآخرة يجب كونه مقبولا، وإلى عدم القبول ذهب العز بن عبد السلام، ومال إلى القول بأصل الثواب حجة الإسلام الغزالي حيث قال: لو كان إطلاع الناس مرجحا أو مقويا لنشاطه ولو فقد لم تترك العبادة ولو انفرد قصد الرياء لما أقدم فالذي نظنه والعلم عند الله تعالى أنه لا يحبط أصل الثواب ولكنه يعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب، وهذا ظاهر في أن الرياء ولو محرما لا يمنع أصل الثواب عنده إذا كان باعث العبادة أغلب، وذكر ابن حجر أن الذي يتجه ترجيحه أنه متى كان المصاحب بقصد العبادة رياء مباحا لم يقتضى إسقاط ثوابها من أصله بل يثاب على مقدار قصد العبادة وإن ضعف أو محرما اقتضى سقوطه من أصله للاخبار، وقوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (الزلزلة له: 7) قد لا يعكر على ذلك لأن تقصيره بقصد المحرم ا