يريد معها الآخرة كما ينبىء عنه الاستمرار المستفاد من زيادة * (كان) * هنا مع الاقتصار على مطلق الإرادة في قسيمه وقيل لو لم يقيد صدق على مريد العاجلة والآخرة والقسمة تنافي الشركة، ودلالة الإرادة على ذلك لأنها عقد القلب بالشيء وخلوص همه فيه ليس بذاك، والمراد بالعاجلة الدار الدنيا كما روي عن الضحاك أيضا وبإرادتها إرادة ما فيها من فنون مطالبها كقوله تعالى: * (ومن كان يريد حرث الدنيا) * (الشورى: 20) وجوز أن يراد الحياة العاجلة كقوله تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) * (هود: 15) ورجح الأول بأنه أنسب بقوله تعالى: * (عجلنا له فيها) * أي في تلك العاجلة فإن تلك الحياة واستمرارها من جملة ما عجل فالأنسب في ذلك كلمة من كما في قوله عز وجل: * (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها) * * (ما نشاء) * أي ما نشاء تعجيله له من نعيمها لا كل ما يريد.
* (لمن نريد) * تعجيل ما نشاء له، وقال أبو إسحاق الفزاري: أي لمن نريد هلكته ولا يدل عليه لفظ في الآية، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور السابق أعني له فلا يحتاج إلى رابط لأنه في بدل المفردات أو المجرور بدل من الضمير المجرور بإعادة العامل وتقديره لمن نريد تعجيله له منهم، والضمير راجع إلى من وهي موصولة أو شرطية وعلى التقديرين هي منبئة عن الكثرة فهو بدل بعض من كل، وعن نافع أنه قرأ * (ما يشاء) * بالباء فقيل الضمير فيه لله تعالى فيتطابق القراءتان، وقيل هو لمن فيكون مخصوصا بمن أراد الله تعالى به ذلك كنمروذ وفرعون ممن ساعده الله تعالى على ما أراده استدراجا له، واستظهر هذا بأنه يلزم أن يكون على الأول التفات ووقوع الالتفات في جملة واحدة إن لم يكن ممنوعا فغير مستحسن كما فصله في عروس الأفراح، وتقييد المعجل والمعجل له بما ذكر من المشيئة والإرادة لما أن الحكمة التي يدور عليها فلك التكوين لا تقتضي وصول كل طالب إلى مرامه ولا استيفاء كل واصل لما يطلبه بتمامه، وليس المراد بأعمالهم في قوله تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) * (هود: 15) أعمال كلهم ولا كل أعمالهم، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر. وذكر المشيئة في أحدهما والإرادة في الآخر إن قيل بترادفهما تفنن.
* (ثم جعلنا له) * مكان ما عجلنا له * (جهنم يصلايها) * يقاسي حرها كما قال الخليل أو يدخلها كما قيل، والجملة كما قال أبو البقاء حال من الهاء في * (له) * وقال أبو حيان: إنها حال من * (جهنم) * وهي مفعول أول لجعلنا و * (له) * الثاني. وجوز أن تكون الجملة مستأنفة وقال صاحب الغينان: مفعول جعلنا الثاني محذوف والتقدير مصيرا أو جزاء ولا حاجة إلى ذلك * (مذموما) * حال من فاعل يصلى وهو من الذم ضد المدح وفعله ذم وذمته ذيما وذأمته ذأما بمعناه * (مدحورا ) * أي مطرودا مبعدا من رحمة الله تعالى، قال الإمام: إن العقاب عبارة عن مضرة مقرونة بالإهانة والذم بشرط أن تكون دائمة وخالية عن المنفعة فقوله تعالى: * (جعلنا له جهنم يصلاها) * إشارة إلى المضرة العظيمة و * (مذموما) * إشارة إلى الإهانة والذم و * (مدحورا) * إشارة إلى البعد والطرد من رحمته تعالى فيفيد ذلك أن تلك المضرة خالية عن شوب النفع والرحمة وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدل بالراحة والخلاص اه، ولا يخفى أن هذا ظاهر في أن الآية تدل على الخلود وحينئذ يتعين عندنا أن يكون ذلك المريد من الكفرة. وفي إرشاد العقل السليم من كان يريد أي بأعماله التي يعملها سواء كان ترتب المراد عليها بطريق الجزاء كأعمال البر أو بطريق ترتب المعلولات على العلل كالأسباب أو بإعمال الآخرة فالمراد بالمريد على الأول الكفرة وأكثر الفسقة وعلى الثاني أهل الرياء والنفاق والمهاجر للدنيا والمجاهد للغنيمة، وأنت تعلم أن أدراج