تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٥١
افترقا اجتمعا، وقد ذكروا أن الجميع الوارثين معراجا إلا أنه معراج أرواح لا أشباح وإسراء أسرار لا أسوار ورؤية جنات لا عيان وسلوك ذوق وتحقيق لا سلوك مسافة وطريق إلى سموات معنى لا مغنى، وهذا المعراج متفاوت حسب تفاوت مراتب الرجال، وقد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في معراجه ما يحير الألباب ويقضي منه العجب العجاب ولم يستبعد ذلك منه بناء على أنه ختم الولاية المحمدية عندهم، ومن عجائب ما اتفق في زماننا أن رجلا يدعى بعبد السلام نائب القاضي في بغداد وكان جسورا على الحكم بالباطل شرع في ترجمة معراج الشيخ قدس سره بالتركية مع شرح بعض مغلقاته ولم يكنمن خبايا هاتيك الزوايا فقبل أن يتم مرامه ابتلى والعياذ بالله تعالى بآكلة في فمه فأكلته إلى أذنيه فمات وعرج بروحه إلى حيث شاء الله تعالى نسأل الله سبحانه العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ونقل عن الشيخ قدس سره أن الإسراء وقع له صلى الله عليه وسلم ثلاثين مرة، وفي كلام الشيخ عبد الوهاب الشعراني أن أسرا آته عليه الصلاة والسلام كان أربعا وثلاثين واحد منها بجسمه والباقي بروحه، وقد صرحوا أن الأول من خصائصه صلى الله عليه وسلم. وفي الخصائص الصغرى وخص عليه الصلاة والسلام بالإسراء وما تضمنه من خرق السموات السبع والعلو إلى قاب قوسين ووطئه مكاناما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وأن قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير مما يكون كرامة للولي، والمشهور تسمية ذلك بطي المسافة وهو من أعظم خوارق العادات؛ وأنكر ثبوته للأولياء الحنفية ومنهم ابن وهبان قال: ومن لولي قال طي مسافة * يجوز جهول ثم بعض يكفر وهذا منهم مع قولهم إذا ولد لمغربي ولد من امرأته المشرقية مثلا يلحق به وإن لم يلتقيا ظاهرا غريب، والكتب ملأى من حكايات الثقات هذه الكرامة لكثير من الصالحين، وكأن مجهل قائلها بني تجهيله على أن في ذلك قولا بتداخل الجواهر وقد أحاله المتكلمون خلافا للنظام وبرهنوا على استحالته بما لا مزيد عليه وادعى بعضهم الضرورة في ذلك، وأنت تعلم أن قطع المسافة الطويلة في الزمن القصير لا يتوقف على تداخل الجواهر لجواز أن يكون بالسرعة كما قالوا في الإسراء فليثبت للأولياء على هذا النحو على أن الكرامات كالمعجزات مجهولة الكيفية فنؤمن بما صح منها ونفوض كيفيته إلى من لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى، ومثل طي المسافة ما يحكمونه من نشر الزمان وأنا مؤمن ولله تعالى الحمد بما يصح نقله من الأمرين والمكفر جهول والمجهول ليس برسول والله تعالى الموفق للصواب إليه المرجع والمآب؛ وأول المسجد الحرام بمقام القلب المحترم عن أن يطوف به مشركو القوى البدنية ويرتكب فيه فواحشها وخطاياها، والمسجد الأقصى بمقام الروح الأبعد من العالم الجسماني * (لنريه من آياتنا) * (الإسراء: 1) أي آيات صفاتنا من جهة أنها منسوبة إلينا ونحن المشاهدون بها والأفاصل مشاهدة الفات في مقام القلب * (عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا) * (الإسراء: 8) قال سهل: أي إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى المغرفة وإن عدتم إلى الإعراض عنا عدنا إلى الإقبال عليكم وإن عدتم إلى الفرار منا عدنا إلى أخذ الطريق عليكم لترجعوا إلينا.
وقال الوراق: إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى التيسير والقبول، وقيل: غير ذلك * (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) * (الإسراء: 9) الآية أي إن هذا القرآن يعرف أهله بنوره أقوم الطرق إلى الله تعالى وهو طريق الطاعة والاقتداء بمن أنزل عليه عليه الصلاة والسلام فإنه لا طريق يوصل إلا ذلك ولله تعالى در من قال:
وأنت باب الله أي امرىء * أتاه من غيرك لا يدخل وذكروا أن القرآن يرشد بظاهره إلى معاني باطنه وبمعاني باطنه إلى نور حقيقته وبنور حقيقته إلى أصل
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»