وحكى أبو حاتم عن أبي زيد أن * (أمرنا) * بمعنى كثرنا واختاره الفارسي، واستدل أبو عبيدة على صحة هذه اللغة بما أخرجه أحمد. وابن أبي شيبة في مسنديهما. والطبراني في الكبير من حديث سويد بن هبيرة " خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة " أي كثيرة النتاج، وأمر كما قيل من باب ما لزم وعدي باختلاف الحركة فيقال أمرته بفتح الميم فأمر بكسرها وهو نظير شتر الله تعالى عينه فشترت وجدع أنفه فجدع وثلم سنه فثلمت، وقيل: إن المكسور يكون متعديا أيضا وأنه قرأ به الحسن. ويحيى بن يعمر. وعكرمة، وحكى ذلك النحاس. وصاحب اللوامح عن ابن عباس وأن رد الفراء له غير ملتفت إليه لصحة النقل، وفي " الكشف " أن أمر بمعنى كثر كثير وأما أمرته المتعدي فقال الزمخشري في الفائق ما معناه: ما عول هذا القائل الأعلى ما جاء في الخبر أعني مهرة مأمورة وما هو إلا من الأمر الذي هو ضد النهي وهو مجاز أيضا كما في الآية كأن الله تعالى قال لها كوني كثيرة النتاج فكانت فهي إذن مأمورة على خلاف منهيه، وقيل: أصله مومرة فعدل عنه إلى مأمورة لطلب الازدواج مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " مأزورات غير مأجورات " حيث لم يقل موزورات.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن أبي إسحاق. وأبو رجاء. وعيسى بن عمرو. وعبد الله بن أبي زيد. والكلبي * (آمرنا) * بالمد وكذلك جاء عن ابن عباس. والحسن. وقتادة. وأبي العالية. وابن هرمز. وعاصم. وابن كثير. وأبي عمرو. ونافع وهو اختيار يعقوب، ومعناه عند الجميع كثرنا وبذلك أيد التفسير السابق على القراءة المشهورة.
وقرأ ابن عباس. وأبو عثمان النهدي، والسدي. وزيد بن علي. وأبو العالية * (أمرنا) * بالتشديد، وروي ذلك أيضا عن علي. والحسن. والباقر رضي الله تعالى عنهم. وعاصم. وأبي عمرو، ومعناه على هذه القراءة قيل كثرنا أيضا، وقيل: بمعنى وليناهم وجعلناهم أمراء واللازم من ذلك أمر بالضم إلحاقا له بالسجايا أي صار أميرا والمراد به من يؤمر ويؤتمر به سواء كان ملكا أم لا على أنه لا محذور لو أريد به الملك أيضا خلافا للفارسي لأن القرية إذا ملك عليها مترف ففسق ثم آخر ففسق وهكذا كثر الفساد وتوالى الكفر ونزل بهم العذاب على الآخر من ملوكهم * (فحق عليها القول) * أي كلمة العذاب السابق بحلوله أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم فيها * (فدمرناها تدميرا) * لا يكتنه كنهه ولا يوصف، والتدمير هو الإهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء، والآية تدل على إهلاك أهل القرية على أتم وجه وإهلاك جميعهم لصدور الفسق منهم جميعا فإن غير المترف يتبعه عادة لا سيما إذا كان المترف من علماء السوء، ومن هنا قيل: المعنى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها واتبعهم غيرهم فحق عليها القول الآية، وقيل: هلاك الجميع لا يتوقف على التبعية فقد قال سبحانه: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * (الأنفال: 25) وصح عن أم المؤمنين زينب بنت جحش " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها قالت زينب: قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث " هذا والظاهر أن * (أمرنا) * جواب إذا ولا تقديم ولا تأخير في الآية والإشكال المشهور فيها على هذا التقدير من أنها تدل على أنه سبحانه يريد إهلاك قوم ابتداء فيتوسل إليه بأن يأمرهم فيفسقون فيهلكهم وإرادة ضرر الغير ابتداء من غير استحقاق الإضرار كالإضرار كذلك مما ينزه عنه تعالى لمنافاته للحكمة قد مرت الإشارة إلى جوابه، وأجاب