عنه بعضهم بأنه في الآية تقديما وتأخيرا والأصل إذا أمرنا مترفي قرية ففسقوا فيها أردنا إهلاكها فحق عليها القول، ونظيره على ما قيل قوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) * (النساء: 102) وآخرون بأن قوله تعالى: * (أمرنا) * الخ في موضع الصفة لقرية وجواب إذا محذوف للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه كما قيل في قوله تعالى: * (حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها) * (الزمر: 73) إلى قوله سبحانه: * (ونعم أجر العاملين) * (آل عمران: 136) وقول الهذلي وهو آخر قصيدة:
حتى إذا اسلكوهم في قتائدة * شلا كما تطرد الجمالة الشردا وقيل في الجواب عن ذلك غير ذلك فتدبر.
* (وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا) * * (وكم أهلكنا) * أي كثيرا ما أهلكنا * (من القرون) * تمييز - لكم - والقرن على ما قال الراغب القوم المقترنون في زمان واحد، وعن عبد الله بن أبي أوفى هو مدة مائة وعشرين سنة، وعن محمد بن القاسم المازني وروي مرفوعا أنه مائة سنة، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم دعا لرجل فقال: عش قرنا فعاش مائة سنة أو مائة وعشرين، وعن الكلبي أنه ثمانون سنة، وعن ابن سيرين أنه أربعون سنة * (من بعد نوح) * من بعد زمنه عليه السلام كعاد وثمود ومن بعدهم ممن قصت أحوالهم في القرآن العظيم ومن لم تقص، وخص نوح عليه السلام بالذكر ولم يقل من بعد آدم لأنه أول رسول آذاه قومه فاستأصلهم العذاب ففيه تهديد وإنذار للمشركين ولظهور حال قومه لم ينظموا في القرون المهلكة على أن ذكره عليه السلام رمز إلى ذكرهم، ومن الأولى للتبيين لا زائدة والثانية لابتداء الغاية فلذا جاز اتحاد متعلقهما، وقال الحوفي: من الثانية بدل من الأولى وليس بجيد.
* (وكفاى بربك) * أي كفى ربك وقد تقدم الكلام مفصلا آنفا في مثل هذا التركيب * (بذنوب عباده خبيرا بصيرا) * محيطا بظواهرها وبواطنها فيعاقب عليها، وتقديم الخبير لتقدم متعلقه من الاعتقادات والنيات التي هي مبادىء الأعمال الظاهرة تقدما وجوديا، وقيل تقدما رتبيا لأن العبرة بما في القلب كما يدل عليه " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم " وإنما الأعمال بالنيات ونية المؤمن خير من عمله إلى غير ذلك أو لعمومه من حيث يتعلق بغير المبصرات أيضا، والجار والمجرور متعلق بخبيرا بصيرا على سبيل التنازع.
وقال الحوفي: متعلق بكفى وهو وهم، وفي تذييل ما تقدم بما ذكر إشارة على ما قيل إلى أن البعث والأمر وما يتلوهما هن قسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب فإن ذلك حاصل قبل ذلك وإنما هو لقطع الأعذار وإلزام الحجة من كل وجه. وفي " الكشاف " أنه سبحانه نبه بقوله تعالى: * (وكفى بربك) * الخ على أن الذنوب هي الأسباب المهلكة لا غير، وبيانه كما في " الكشف " أنه جل شأنه لما عقب إهلاكهم بعلمه بالذنوب علما أتم دل على أنه تعالى جازاهم بها وإلا لم ينتظم الكلام، وأما الحصر فلأن غيرها لو كان له مدخل كان الظاهر ذكره في معرض الوعيد ثم لا يكون السبب تاما ويكون الكلام ناقصا عن أداء المقصود فلزم الحصر وهو المطلوب ولا أرى كلامه خاليا عن دسيسة اعتزال تظهر بالتأمل ولعله لذلك لم يتعرض له العلامة البيضاوي.
* (من كان يريد االعاجلة عجلنا له فيها ما نشآء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) * * (من كان يريد) * أي بعمله كما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك * (العاجلة) * فقط من غير أن