فالحاكم إذا كان معتقده ذلك لا يجيب إليه ولا يكون الولد بطلب ذلك عاقا إذا كان معتقدا الوجه الأول فإن اعتقد المنع وأقدم عليه كان كما لو طلب حبس من لا يجوز حبسه من الأجانب لإعسار ونحوه فإذا حبسه الولد واعتقاده المنع كان عاقا لأنه لو فعله مع غير والده حيث لا يجوز كان حراما، وأما مجرد الشكوى الجائزة والطلب الجائز فليس من العقوق في شيء، وقد شكا بعض ولد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينهه عليه الصلاة والسلام وهو الذي لا يقر على باطل، وأما إذا نهر أحد والديه فإنه إذا فعل ذلك مع غير الوالدين وكان محرما كان في حق أحد الوالدين كبيرة وإن لم يكن محرما، وكذا أف فإن ذلك يكون صغيرة في حق أحد الوالدين ولا يلزم من النهي عنهما والحال ما ذكر أن يكونا من الكبائر؛ وقولنا أو أن يخالف أمره ونهيه فيما يدخل منه الخوف الخ أردنا به السفر للجهاد ونحوه من الأسفار الخطرة لما يخاف من فوات نفس الولد أو عضو من أعضائه لشدة تفجع الوالدين على ذلك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمرو في الرجل الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم للجهاد أنه عليه الصلاة والسلام قال له: أحي والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد، وفي رواية ارجع إليهما ففيهما المجاهدة، وفي أخرى جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال: ارجع فاضحكهما كما أبكيتهما، وفي إسناده عطاء بن السائب لكن من رواية سفيان عنه. وروى أبو سعيد الخدري أن رجلا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي قال: أذنا لك قال: لا قال: فارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما. ورواه أبو داود وفي إسناده من اختلف في توثيقه، وقولنا: ما لم يتهم الوالد في ذلك أخرجنا به ما لو كان الوالد كافرا فإنه لا يحتاج الولد إلى إذنه في الجهاد ونحوه، وحيث اعتبرنا إذن الوالد فلا فرق بين أن يكون حرا أو عبدا، وقولنا: أو أن يخالفه في سفر الخ أردنا به السفر لحج التطوع حيث كان فيه مشقة وأخرجنا بذلك حج الفرض وإذا كان فيه ركوب البحر يجب ركوبه عند غلبة السلامة فظاهر الفقه أنه لا يجب الاستئذان ولو قيل بوجوبه لما عند الوالد من الخوف في ركوب البحر وإن غلبت السلامة لم يكن بعيدا، وأما سفره للعلم المتعين أو لفرض الكفاية فلا منع منه وإن كان يمكنه التعلم في بلده خلافا لمن اشترط ذلك لأنه قد يتوقع في السفر فراغ قلب وإرشاد أستاذ ونحو ذلك فإن لم يتوقع شيئا من ذلك احتاج إلى الاستئذان وحيث وجبت النفقة للوالد على الولد وكان في سفره تضييع للواجب فللوالد المنع، وأما إذا كان الولد بسفره يحصل وقيعة في العرض لها وقع بأن يكون أمرد ويخاف من سفره تهمة فإنه يمنع من ذلك وذل في الأنثى أولى، وأما مخالفة أمره ونهيه فيما لا يدخل على الولد فيه ضرر بالكلية وإنما هو مجرد إشارة للولد فلا تكون عقوقا وعدم المخالفة أولى اه كلام البلقيني وذكر بعض المحققين: أن العقوق فعل ما يحصل منه لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهين عرفاف. ويحتمل أن العبرة بالمتأذي لكن لو كان الوالد مثلا في غاية الحمق أو سفاهة العقل فأمر أو نهى ولده بما لا يعد مخالفته فيه في العرف عقوقا لا يفسق ولده بمخالفته حينئذ لعذره وعليه فلو كان متزوجا بمن يحبهاف أمره بطلاقها ولو لعدم عفتها فلم يمتثل لأمره لا إثم عليه، نعم الأفضل طلاقها امتثالا لأمر والده، فقد روى ابن حبان في صحيحيه أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال: إن أبي لم يزل بي حتى زوجني امرأة وإنه الآن يأمرني بفراقها قال: ما أنا بالذي آمرك أن تعق والديك ولا بالذي آمرك أن تطلق زوجتك غير أنك إن شئت حدثتك بما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول: " الوالد أوسط أبواب الجنة " فحافظ
(٦٠)