تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٩
وهو ثبوت الشرع لأن معنى الثبوب به بالاخبار عن الله تعالى حقيقة أو حكما وعلى هذا لا يتأتى الترديد الذي ذكره بقوله لأن ذلك الشرع إما أن يكون الخ فليتأمل، وعن الثاني بأن وجوب الاحتراز عن العقاب ليس أمرا أجنبيا عن وجوب كذا حتى يتوجه عليه الترديد الذي ذكره بل هو نفس وجوب كذا أو لازمه إذ الاحتراز ليس إلا بالاتيان بكذا الذي هو الواجب فوجوب الاحتراز ليس إلا بالاتيان بكذا الذي هو الواجب فوجوب الاحتراز إما وجوب كذا أو لازمه فوجوبه بوجوبه فلا يلزم الترديد المذكور، وعن الثالث بأنه إن أراد بقوله إن ماهية الواجب إنما تتقرر بسبب حصول الخوف من العقاب أن حصول الواجب في الخارج بالإتيان به إنما هو بسبب حصول الخوف فليس الكلام فيه ومع ذلك إنا لا نسلم أن الإتيان بالواجب متوقف على حصول الخوف وإن أراد أن تحقق وجوب الواجب أي تعلق وجوبه بالمكلف الذي هو التكليف التنجيزي متوقف على حصول الخوف المذكور فهو ممنوع كما هو ظاهر اه‍ فتدبر.
وأنت تعلم أن الاستدلال بالآية على تقدير تمامه لا يختص بالمعتزلة بل يشاركهم في ذلك أحد فريقي الحنفية من أهل السنة وهم الماتريدية وعامة مشايخ سمرقند لأنهم وإن لم يقولوا كالمعتزلة بأن العقل حاكم بالحسن والقبح اللذين أثبتوها جميعا لكنهم قالوا: إن العقل آلة للعلم بهما فيخلقه الله تعالى عقيب نظر العقل نظرا صحيحا وأوجبوا الايمان بالله تعالى وتعظيمه وحرموا نسبة ما هو شنيع إليه سبحانه حتى روى عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه قال: لو لم يبعث الله تعالى رسولا لوجوب على الخلق معرفته، وقد صرح غير واحد من علمائهم بأن العقل حجة من حجبب الله تعالى ويجب الاستدلال به قبل ورود الرع، واحتجوا في ذلك بما أخبر الله تعالى به عن إبراهيم عليه السلام من قوله لأبيه وقومه * (إني أراك وقومك في ضلال مبين) * (الأنعام: 74) حيث قال ذلك ولم يقل أوحى إلي ومن استدلاله بالنجوم ومعرفة الله تعالى بها وجعلها حجة على قومه وكذاك كل الرسل حاجوا قومهم بحجج العقل كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (قالت رسلهم أفي لله شك فاطر السموات والأرض) * الآية وبقوله تعالى: * (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) * (المؤمنون: 117) الآية حيث لم يقل ومن يدع مع الله إلها آخر بعدما أوحى إليه أو بلغته الدعوة وبقوله سبحانه خبرا عن أهل النار وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير حيث أخبروا أنهم صاروا في النار لتركهم الانتفاع بالسمع والعقل.
وفيه أنهم لو انتفعوا بالعقول في معرفة الصانع قبل ورود الشرع لم يصيروا في النار وبأن الحجج السمعية لم تكن حججا إلا باستدلال عقلي، وبأن المعجزة بعد الدعوة لا تعرف إلا بدليل عقلي وآيات الأنفس والآفاق أدل على الصانع من دلالة المعجزة على أنها من الله تعالى فلما كان بالعقل كفاية معرفة المعجزة كان به كفاية معرفة الله تعالى من طريق الأولى، وبأن دعاء جميع الكفرة إلى دين الإسلام واجب على الأمة ومعلوم أن الدهرية لا يحتج عليهم بكلام الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فلم يبق إلا حجج العقول إلى غير ذلك، وحينئذ يقال لهم: لو وجب على الخلق معرفة الله تعالى والإيمان به قبل بعثة رسول لزم تعذيب الكافر قبلها لاخباره تعالى بأنه لا يغفر الشرك به وقد نفى التعذيب في الآية فلا وجوب ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم على نهج ما فعل مع المعتزلة، والإمام الرازي بعد أن ضعف الاستدلال بالآية وأثبت الوجوب العقلي ذكر في الآية وجهين، الأول: حمل الرسول على العقل، والثاني: تخصيص العموم بأن يقال المراد * (وما كنا معذبين) * (الإسراء: 15) في الأعمال التي لا سبيل إلى
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»