تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٣٢
علما بعلم الشريعة المسمى بالعلم الظاهر إلا أن موسى عليه السلام أعلم به منه فكل منهما أعلم من صاحبه من وجه، ونعت الخضر عليه السلام في الأحاديث السابقة بأنه أعلم من موسى عليه السلام ليس على معنى أنه أعلم منه من كل وجه بل على معنى أنه أعلم من بعض الوجوه وفي بعض العلوم لكن لما كان الكلام خارجا مخرج العتب والتأديب أخرج على وجه ظاهره العموم، ونظير هذا آيات الوعيد على ما قيل من أنها مقيدة بالمشيئة لكنها لم تذكر لمزيد الإرهاب، وافغل التفضيل وإن كان للزيادة في حقيقة الفعل إلا أن ذلك على وجه يعم الزيادة في فرد منه، ويدل على ذلك صحة التقييد بقسم خاص كما تقول زيد أعلم من عمرو في الطب وعمرو أعلم منه في الفلاحة، ولو كان معناه الزيادة في مطلق العلم كان قولك زيد أعلم من عمرو مستلزما لأن لا يكون عمرو أعلم منه في شيء من العلوم فلا يصح تفضيل عمرو عليه في علم الفلاحة، وإنكار صدق الأعلم المطلق مع صدق المقيد التزام لصدق المقيد بدون المطلق، وقد جاء إطلاق افعل التفضيل والمراد منه التفضيل من وجه على ما ذكره الشيخ ابن الحاجب في أمالي القرآن ضمن عداد الأوجه في حل الاشكال المشهور في قوله تعالى: * (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) * (الزخرف: 48) من أن المراد إلا هي أكبر من أختها من وجه ثم قال: وقد يكون الشيئان كل واحد منهما أفضل من الآخر من وجه، وقد أشبع الكلام في هذا المقام مولانا جلال الدين الدواني فيما كتبه على الشرح الجديد للتجريد وحققه بما لا مزيد عليه، ومما يدل على أن لموسى عليه السلام علما ليس عند الخضر عليه السلام ما أخرجه البخاري. ومسلم. والترمذي. والنسائي من حديث ابن عباس مرفوعا أن لخضر عليه السلام قال يا موسى: إني على علم من علم الله تعالى علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله تعالى علمك لله سبحانه لا أعلمه، وأنت تعلم أنه لو لم يكن قوله تعالى لموسى عليه السلام المذكور في الأحاديث السابقة إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك على معنى أعلم في بعض العلوم بل كان على معنى أعلم في كل العلوم أشكل الجمع بينه بين ما ذكرنا من كلام الخضر عليه السلام، ثم على ما ذكرنا ينبغي أن يراد من العلم الذي ذكر الخضر أنه يعلمه هو ولا بعلمه موسى عليهما السلام بعض علم الحقيقة ومن العلم الذي ذكر أنه يعلمه موسى ولا يعلمه هو عليهما السلام بعض علم لشريعة، فلكل من موسى والخضر عليهما السلام علم بالشريعة والحقيقة إلا أن موسى عليه السلام أزيد بعلم الشريعة والخضر عليه السلام أزيد بعلم الحقيقة، ولكن نظرا للحالة الحاضرة كما ستعلم وجهه إن شاء الله تعالى وعدم علم كل ببعض ما عند صاحبه لا يضر بمقامه. وينبغي أن يحمل قول من قال كالجلال السيوطي ما جمعت الحقيقة والشريعة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما على معنى أنها ما جمعت على الوجه الأكمل إلا له صلى الله عليه وسلم ولم يكن للأنبياء عليهم السلام على ذلك الوجه إلا أحدهما، والحمل على أنهما لم يجمعا على وجه الأمر بالتبليغ إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام مأمور بتبليغ الحقيقة كما هو مأمور بتبليغ الشريعة لكن للمستعدين لذلك لا يخلو عن شيء. ويفهم من كلام بعض الأكابر أن علم الحقيقة من علوم الولاية وحينئذ لا بد أن يكون لكل نبي حظ منه ولا يلزم التساوي في علومها.
ففي الجواهر والدرر قلت للخواص عليه الرحمة: هل يتفاضل الرسل في العلم؟ فقال: العلم تابع للرسالة فإنه ليس عند كل رسول من العلم إلا بقدر ما تحتاج إليه أمته فقط فقلت له: هذا من حيث كونهم رسلا فهل حالهم من حيث كونهم أولياء كذلك؟ فقال: لا قد يكون لأحدهم من علوم الولاية ما هو أكثر من علوم ولاية أولي العزم ان الرسل الذين هم أعلى منهم انتهى، وانا أرى أن ما يحصل لهم من علم الحقيقة بناء على القول بأنه من علوم لولاية أكثر مما يحصل للأولياء الذين ليسوا بأنبياء. ولا تراني أفضل وليا ليس بنبي في علم الحقيقة على ولي
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»