تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٣٧
من كون الغاية أمرا ممتدا ويكون انتهاء المغيابا باتبدائه كقولك: ملك فلأن حتى كانت سنة كذا ملكه فتأمل.
ثم إن في القلب من صحة رواية الربيع شيئا والله تعالى أعلم بصحتها، والظاهر أن أهل السفينة لم يروه لما باشر خرقها وإلا لما مكنوه وقد نص على ذلك على القاري. وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم عن أبي العالية من طريق حماد بن زيد عن شعيب بن الحبحاب ءنه قال: كان الخضر عبدا لا تراه إلا عين من أراد الله تعالى أن يريه إياه فلم يره من القوم إلا موسى عليه السلام ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وكذا بينه وبين قتل الغلام، وليس هذا بالمرفوع والله تعالى أعلم بصحته، نعم سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا عن الربيع أيضا أنهم علموا بعد ذلك أنه الفاعل، والظاهر أيضا أن موسى عليه السلام لم يرد إدراج نفسه الشريفة في قوله: * (لتغرق أهلها) * وإن كان صالحا لأن يدرج فيه بناء على أن المراد من أهلها الراكبين فيها.
وقرأ الحسن. وأبو رجاء * (لتغرق) * بالتشديد لتكثير المفعول. وقرأ حمزة. والكسائي. وزيد بن علي. والأعمش. وطلحة. وابن أبي ليلى. وخلف. وأبو عبيد. وابن سعدان. وابن عيسى الأصبهاني * (ليغرق أهلها) * على إسناد الفعل إلى الأهل، وكون اللام على هذه القراءة للعاقبة ظاهر جدا * (لقد جئت) * أتيت وفعلت * (شيئا إمرا) * أي داهيا منكرا من أمر الأمر بمعنى كثر قاله الكسائي فاصله كثير، والعرب كما قال ابن جني في سر الصناعة تصف الدواهي بالكثرة، وهو عند بعضهم في الأصل على وزن كبد فخفف قيل ولم يقل أمرا إمرا مع ما فيه من التجنيس لأنه تكلف لا يلتفت إلى مثله في الكلام البليغ كما صرح به الإمام المرزوقي في شرح قول السموأل: يقرب حب الموت آجالنا لنا * وتكرهه آجالهم فتطول ردا لاختيار بعضهم رواية يقصر حب الموت، وأيد ذلك بقول أبي ذؤيب الهذلي: وشيك الفصول بعيد القفول حيث أمكن له أن يقول بظىء القفول ولم يقل، وربما يقال هنا: إنه لم يقل ذلك لما ذكر مع إيهامه خلاف المراد وقصوره عن درجة ما في النظم الجليل من زيادة التفظيع، وفي الرواية عن الربيع أن موسى عليه السلام لما رأى من الخضر ما رأى امتلأ غضبا وشد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر عليه السلام في البحر فقال أردت هلاكهم فستعلم أنك أول هالك وجعل كلما ازداد غضبا استعر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهن، وأن يوشع بن نون قال له: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك، وأن الخضر عليه السلام أقبل عليه يذكره ما قاله من قبل:
* (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا) * * (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) * وهو متضمن للإنكار على عدم وقوع الصبر منه عليه السلام فأدركه عند ذلك الحلم.
* (قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا) * * (قال لا تؤاخذني بما نسيت) * اعتذار بنسيان الوصية على أبلغ وجه كأن نسيانه أمر محقق عند الخضر عليه السلام لا يحتاج أن يفيده إياه استقلالا وإنما يلتمس منه ترك المؤاخذة به؛ فما مصدرية والباء صلة المؤاخذة أي لا تؤاخذ بنسياني وصيتك في ترك السؤال عن شيء حتى تحدث لي منه ذكرا، والتمس ترك المؤاخذة بالنسيان لأن الكامل قد يؤاخذ به وهي مؤاخذة بقلة التحفظ التي أدت إليه كما وقعت لأول ناس وهو أول الناس وإلا فالمؤاخذة به نفسه لا تصح لأنه غير مقدور، وقيل: الباء للسببية وهي متعلقة بالفعل، والنسيان وإن لم يكن سببا قريبا للمؤاخذة بل السبب القريب لها هو ترك العمل بالوصية لكنه سبب بعيد لأنه لولاه لم يكن الترك، وجوز أن تكون متعلقة بمعنى
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 » »»