سبحانه ادريس في السماء الرابعة، وهي سائر السموات السبع من الدار الدنيا لأنها تتبدل في الدار الأخرى كما تتبدل هذه النشأة الترابية منا بنشأة أخرى، وأبقى الآخرين في الأرض فهم كلهم باقون باجسامهم في الدار الدنيا، وكلهم الأوتاد، وإثنان منهم الامامان، وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم، وهو ركن الحجر الأسود من أركان بيت الدين، فما زال المرسلون ولا يزالون في هذه الدار إلى يوم القيامة وإن كانوا على شرع نبينا صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، بالواحد منهم يحفظ الله تعالى الإيمان وبالثاني الولاية وبالثالث النبوة وبالرابع الرسالة وبالمجموع الدين الحنيفي، والقطب من هؤلاء لا يموت أبدا أي لا يصعق.
وهذه المعرفة لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا الافراد الأمناء، ولكل واحد منهم من هذه الأمة في كل زمان شخص على قلبه مع وجودهم ويقال لهم النواب، وأكثر الأولياء من عامة أصحابنا لا يعرفون إلا أولئك النواب ولا يعرفون أولئك المرسلين، ولذا يتطاول كل واحد من الأمة لنيل مقام القطبية والإمامية والوتدية فإذا خصوا بها عرفوا أنهم نواب عن أولئك المرسلين عليهم السلام. ومن كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم أن جعل من أمته وأتباعه رسلا وإن لم يرسلوا فهم من أهل هذا المقام الذي منه يرسلون وقد كانوا أرسلوا، فلهذا صلى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بالأنبياء عليهم السلام لتصح له الإمامة على الجميع حيا بجسمانيته وجسمه، فلما انتقل عليه الصلاة والسلام بقي الأمير محفوظا بهؤلاء الرسل عليهم السلام، فثبت الدين قائما بحمد الله تعالى وإن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهذه نكتة فاعرف قدرها فإنك لا تراها في كلام أحد غيرنا. ولولا ما ألقى عندي من إظهارها ما أظترتها لسر يعلمه الله تعالى ما أعلمنا به. ولا يعرف ما ذكرناه إلا نوابهم دون غيرهم من الأولياء. فاحمدوا الله يا اخواننا حيث جعلكم الله تعالى ممن قرع سمعه أسرار الله تعالى المخبوءة في خلقه التي اختص بها من شاء من عباده. فكونوا لها قابلين وبها مؤمنين ولا تحرموا التصديق بها فتحرموا خيرها انتهى.
وعلم منه القول برسالة الخضر عليه السلام وهو قول مرجوح عند جمهور العلماء والقول بحياته وبقائه إلى يوم القيامة وكذا بقاء عيسى عليه السلام، والمشهور أنه بعد نزوله إلى الأرض يتزوج ويولد له ويتوفى ويدفن في الحجرة الشريفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولينظر ما وجه قوله قدس سره بإبقاء عيسى عليه السلام في الأرض وهو اليوم في السماء كإدريس عليه السلام، ثم إنك إن اعتبرت مثل هذه الأقوال وتلقيتها بالقبول لمجرد جلالة قائلها وحسن الظن فيه فقل بحياة الخضر عليه السلام إلى يوم القيامة، وإن لم تعتبر ذلك وجعلت الدليل وجودا وعدما مدارا للقبول والرد ولم تغرك جلالة القائل إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويرد ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: لا تنظر إلى من قال وانظر ما قال فاستفت قلبك بعد الوقوف على أدلة الطرفين وما لها وما عليها ثم اعمل بما يفتيك. وأنا أرى كثيرا من الناس اليوم بل في كثير من الأعصار يسمون من يخالف الصوفية في أي أمر ذهبوا إليه منكرا ويعدونه سيء العقيدة ويعقدون بمن يوافقهم ويؤمن بقولهم الخير، وفي كلام الصوفية أيضا نحو هذا فقد نقل الشيخ الأكبر قدس سره في الباب السابق عن أبي يزيد البسطامي قدس سره أنه قال لأبي موسى الدبيلي: يا أبا موسى إذا رأيت من يؤمن بكلام أهل هذه الطريقة فقل له يدعو لك فإنه مجاب الدعوة. وذكر أيضا أنه سمع