وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو * (لدنا) * بتخفيف النون وهي إحدى اللغات في لدن.
* (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا) * * (قال له موسى) * استئناف مبني على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فما جرى بينهما من الكلام؟ فقيل: قال له موسى عليه السلام: * (هل أتبعك على أن تعلمن) * استئذان منه عليه السلام في اتباعه له بشرط التعليم، ويفهم ذلك من * (على) * فقد قال الأصوليون: إن على قد تستعمل في معنى يفهم منه كون ما بعدها شرطا لما قبلها كقوله تعالى: * (يبايعنك على أن لا يشركن) * (الممتحنة: 12) أي بشرط عدم الإشراك، وكونها للشرط بمنزلة الحقيقة عند الفقهاء كما في التلويح لأنها في أصل الوضع للالزام والجزاء لازم للشرط، ويلوح بهذا أيضا كلام الفناري في بدائع الأصول وهو ظاهر في أنها ليست حقيقة في الشرط، وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له، وقد تردد السبكي في وروده في كلام العرب، والحق أنه استعمال صحيح يشهد به الكتاب حقيقة كان أو مجازا ولا ينافي انفهام الشرطية تعلق الحرف بالفعل الذي قبله كما قالوا فيما ذكرنا من الآية كما أنه لا ينافيه تعلقه بمحذوف يقع حالا كما قيل به هنا فيكون المعنى هل اتبعك باذلا تعليمك إياي * (مما علمت رشدا) * أي علما ذا رشد وهو إصابة الخير. وقرأ أبو عمرو. والحسن. والزهري. وأبو بحرية. وابن محيصن. وابن مناذر ويعقوب. وأبو عبيد. واليزيدي * (رشدا) * بفتحتين؛ وأكثر السبعة بالضم والسكون وهما لغتان كالبخل والبخل، ونصبه في الأصل على أنه صفة للمفعول الثاني لتعلمني ووصف به للمبالغة لكن أقيم مقامه بعد حذفه والمفعول الثاني لعلمت الضمير العائد على ما الموصولة أي من الذي علمته، والفعلان مأخوذان من علم المتعدي إلى مفعول واحد، وجوز أن يكون * (مما علمت) * هو المفعول الثاني لتعلمني و " رشدا " بدل منه وهو خلاف الظاهر، وان يكون * (رشدا) * مفعولا له لأتبعك أي هل أتبعك لأجل إصابة الخير فيتعين أن يكون المفعول الثاني لتعلمني * (مما علمت) * لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمت، وأن يكون مصدرا باضمار فعله أي أرشد رشدا والجملة استئنافية والمفعول الثاني * (مما علمت) * أيضا. واستشكل طلبه عليه السلام التعليم بأنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لا بد أن يكون أعلم أهل زمانه، ومن هنا قال نوف واضرابه: إن موسى هذا ليس هو ابن عمران وإن كان ظاهر اطلاقه يقتضي أن يكون إياه. وأجيب بأن اللازم في الرسول أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقا ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: " أنتم اعلم بأمور دنياكم " فلا يضر في منصبه أن يتعلم علوما غيبية وأسرارا خفية لا تعلق لها بذلك من غيره لا سيما إذا كان ذلك الغير نبيا أو رسولا أيضا كام قيل في الخضر عليه السلام، ونظير ما ذكر من وجه تعلم عالم مجتهد كأبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما علم الجفر مثلا ممن دونه فإنه لا يخل بمقامه، وإنكار ذلك مكابرة.
ولا يرد على هذا أن علم الغيب ليس علما ذا رشد أي إصابة خير وموسى عليه السلام كان بصدد تعلم علم يصيب به خيرا لقوله تعالى: * (قل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) * (الأعراف: 188) وقال بعضهم: اللازم كون الرسول أعلم من أمته والخضر عليه السلام نبي لم يرسل إليه ولا هو مأمور باتباع شريعته فلا ينكر تفرده بما لم يعلمه غيره، ولا يخفى أنه على هذا ليس الخضر عليه السلام من بنى إسرائيل لأن الظاهر إرسال موسى عليه السلام إليهم جميعا كذا قيل: ثم إن الذي أميل إليه أن لموسى عليه السلام علما بعلم الحقيقة المسمى بالعلم الباطن والعلم اللدني إلا أن الخضر أعلم به منه وللخضر عليه السلام سواء كان نبيا أو رسولا