تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٥
اخصارات القرآن كأنه قيل: وكذلك اعثرنا الناس على أصحاب الكهف حين تنازعهم في أمر البعث فتحققوا ذلك وعلموا أن هؤلاء آية من آياتنا فتوفاهم الله تعالى بعد أن حصل الغرض من الاعثار فقالوا * (ابنوا) * إلى آخره، وكذلك على القول الثاني كأنه قيل وكذلك اعثرنا الناس على أصحاب الكهف حين تذاكرهم أمرهم وما جرى لهم في عهد الملك الجبار ولم يكونوا عارفين بما هم عليه فوقفوا من أحوالهم على ما وقفوا واتضح لهم ما كانوا قد جهلوا فتوفاهم الله تعالى بعد أن حصل الغرض من الاعثار فقالوا * (ابنوا) * إلى آخره أي قال بعضهم ابنوا * (عليهم) * أي على باب كهفهم * (بنيانا) * نصب على أنه مفعول به، وهو كما قال الراغب واحد لا جمع له، وقالوا أبو البقاء: هو جمع بنيانة كشعير وشعيرة، وقيل: هو نصب على المصدرية، وهذا القول من البعض عند بعض كان عن اعتناء بالفتية وذلك أنهم ضنوا بتربهم فطلبوا البناء على باب كهفهم لئلا يتطرق الناس إليهم.
وجوزوا في قوله تعالى: * (ربهم أعلم بهم) * بعد القول بأنه اعتراض أن يكون من كلام المتنازعين المعثرين كأنهم تذاكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم ومدة لبثهم فلما لم يهتدوا إلى حقيقة ذلك فوضوا العلم إلى الله تعالى علام الغيوب، وأن يكون من كلامه سبحانه ردا للخائضين في أمرهم إما من المعثرين أو ممن كان في عهده صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وحينئذ يكون فيه التفات على أحد المذهبين، وقيل: ضمير * (أمرهم) * للفتية والمراد بالأمر الشأن والحال الذي كان بعد الإعثار على أن المعنى إذ يتنازعون بينهم تدبير أمرهم وحالهم حين توفوا كيف يفعلون بهم وبماذا يجعلون قدرهم أو إذ يتنازعون بينهم أمرهم من الموت والحياة حيث خفي عليهم ذلك بعد الاعثار فلم يدروا هل ماتوا أو ناموا كما في أول مرة، وعلى هذا تكون * (إذ) * معمولا لا ذكر مضمرا أو ظرفا لقوله تاعلى: * (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) * ويكون قوله تعالى: * (فقالوا) * معطوفا على * (يتنازعون) * وإيثار صيغة الماضي للدلالة على أن هذا القول ليس مما يستمر ويتجدد كالتنازع. وصرح بعض الأجلة أن الفاء على أول المعنيين للتعقيب وعلى ثانيهما فصيحة كأنه قيل: اذكر حين يتنازعون في أنهم ماتوا أو ناموا ثم فرغوا من التنازع في ذلك واهتموا باجلال قدرهم وتشهير أمرهم فقالوا: * (ابنوا) * إلى آخره، وذكر الزمخشري احتمال كون ضمير * (أمرهم) * للمعثرين وان المراد من أمرهم أمر دينهم وهو البعث واحتمال كون الضمير للفتية، والمعنى حينئذ إذ يتذاكر الناس بينهم أمر أصحاب الكهف ويتكلمون في قصتهم وما أظهر الله تعالى من الآية فيهم أو إذ يتنازعون بينهم تدبير أمرهم حين توفوا كيف يخفون مكانهم وكيف يسدون الطريق إليهم، وجعل إذ في الأوجه ظرفا لأعثرنا. وذكر صاحب الكشف أن الفاء على الأول فصيحة لا محالة وعلى الأخيرين للتعقيب، أما على الثاني منهما فظاهر، وأما على الأول فلأنهم لما تذاكروا قصتهم وحالهم وما أظهر الله تعالى من الآية فيهم قالوا: دعوا ذلك وابنوا عليهم بنيانا أي خذوا فيما هو أهم إلى آخر ما قال، واحتمال جعل الفاء فصيحة على هذا الأول غير بعيد، وتعلق الظرف بأعثرنا على الوجهين الأخيرين وكذا على ما نقلناه آنفا ليس بشيء لأن اعثارهم ليس في وقت التنازع فيما ذكر بل قبله.
وجعل وقت التنازع ممتدا يقع في بعضه الاعثار وفي بعضه التنازع تعسف لا يخفى مع أنه لا مخصص لإضافته إلى التنازع وهو مؤخر في الوقوع. وحكى في البحر أن ضمير * (ليعلموا) * عائد على أصحاب الكهف، والمراد اعتثرنا عليهم ليزدادوا علما بأن وعد الله حق إلى آخره، وجعل ذلك غاية للاعثار بواسطة وقوفهم بسببه
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»