تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٣
متى صح طول حفظ الأبدان المحتاجة إلى الطعام والشراب صح قدرته سبحانه على إعادتهما بعد تفرق أجزائها بطريق الأولى غير مسلم. وأجيب بأن طول الحفظ المذكور يدل على قدرته تعالى على ما ذكر بطريق الحدس فليتدبر.
ولعل الأظهر توجيه الترتب بما ذكره أولا، وتوضيحه أن حال الفتية حيث ناموا في تلك المدة المديدة والسنين العديدة وحبست عن التصرف نفوسهم وتعطلت مشاعرهم وحواسهم من غير تصاعد أبخرة شراب وطعام أو نزول علل وأسقام وحفظت أبدانهم عن التحلل والتفتت وأبقيت على ما كانت عليه من الطراوة والشباب في سالف الأعوام حتى رجعت الحواس والمشاعر إلى حالها وأطلقت النفوس من عقالها وأرسلت إلى تدبير أبدانها والتصرف في خدامها وأعوانها فرأت الأمر كما كان والأعوام هم الأعوان ولم تنكر شيئا عهدته في مدينتها ولم تتذكر طول حبسها عن التصرف في سرير سلطنتها، وحال الذي يقومون من قبورهم بعدما تعطلت مشاعرهم وحبست نفوسهم ثم لما أطلقت وجدت ربوعا عامرة ومنازل كأنها لم تكن دائرة قائلين قبل أن يشكر عن أنيابه العنا من بعثنا من مرقدنا في الغرابة من صقع واحد ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو معاند، ووقوع الأول يزيل الارتياب في إمكان وقوع الثاني حيث كان مستندا إلى الاستبعاد في الحقيقة كما سمعت فيما قبل لبطلان أدلة النافين للحسر الجسماني، نعم في ترتب العلم بأن البعث سيقع لا محالة على نفس الاطلاع على حال الفتية خفاء فإن الظاهر أن العلم المذكور إنما يترتب على إخبار الصادق بوقوعه وعلى إمكانه في نفسه لكن لما كان الاطلاع المذكور سببا للعلم بالإمكان وكان كالجزء الأخير من العلة بالنسبة للكفار الذين بلغهم خبر الصادق قيل يترتب العلم بذلك عليه، وكذا في ترتب العلم بأن كل ما وعده الله تعالى حق على نفس الاطلاع خفاء ولم أر من تعرض لتوجيهه من الفضلاء فتأمل، ثم لا يخفى أن ذكر قوله تعالى: * (وأن الساعة لا ريب فيها) * بعد قوله سبحانه: * (أن وعد الله حق) * على التفسير الذي سمعت مما لا غيار عليه وليس ذلك من ذكر الإمكان بعد الوقوع ليلغو كما زعمه من زعمه.
وقال بعضهم: إن الظاهر أن يفسر قوله تعالى: * (إن وعد الله حق) * بأن كل ما وعده سبحانه متحقق ويجعل قوله تاعلى: * (وأن الساعة لا ريب فيها) * تخصيصا بعد تعميم على معنى لا ريب في تحققها وهو وجه في الآية إة أن في دعوى الظهور مقالا فلا تغفل * (إذ يتنازعون) * ظرف لأعثرنا عليهم قدم عليه الغاية إظهارا لكمال العناية بكذرها. وجوز أبو حيان. وأبو البقاء. وغيرهما كونه ظرفا * (ليعلموا) * وتعقب بأنه يدل على أن التنازع يحدث بعد الاعثار مع أنه ليس كذلك، وبأن التنازع كان قبل العلم وارتفع به فكيف يكون وقته وقته؛ وللمناقشة في ذلك مجال.
وجوز أن يكون ظرفا لحق أو لوعد وهو كنا ترى. وأصل التنازع التجاذب ويعبر به عن التخاصم، وهو باعتبار أصل معناه يتعدى بنفسه وباعتبار التخاصم يتعدى بفي كقوله تعالى * (فإن تنازعتم في شيء) * وضمير * (يتنازعون) * لما عاد عليه ضمير * (ليعلموا) * أي وكذلك أعثرنا على أصحاب الكهف الناس أو أهل مدينتهم حين يتنازعون * (بينهم أمرهم) * ويتخاصمون فيه ليرتفع الخلاف ويتبين الحق، وضمير * (أمرهم) * قيل عائد
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»