تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٤٦
الاستماع ومزيد حرصه صلى الله عليه وسلم على اسماعهم، ومتى فهم الزمخشري وإضرابه من هذه الآية ما فهموا فلم لم يفهم أصحابه عليه الصلاة والسلام ذلك وهم هم أيخطر ببال من له أدنى عقل أن الأعجام شعروا وأكثر أولئك العرب لم يشعروا؟ أم كيف يتصور تجلي أسرار بلاغة القرآن لمن لا يعرف إعجازه إلا بعد المشقة وتحجب عمن يعرف ذلك بمجرد السليقة؟ ولا يكاد يدفع هذا الايراد إلا بالتزام أن السامعين لهذه الآية قليلون لأنها نزلت في مكة وفي المسلمين هناك قلة مع عدم تيسر الاجتماع لهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا اجتماع بعضهم مع بعض نحو تيسر ذلك في المدينة أو بالتزام القول بأن الملتفتين إلى ما فيها من الشواهد كانوا قليلين وهذا كما ترى.
وقيل إن الضمائر لنصارى نجران تناظروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدد أصحاب الكهف فقالت الملكانية الجملة الأولى واليعقوبية الجملة لثانية والنسطورية الجملة الثالثة، ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أولى من القول السابق المحكى عن بعضهم.
وقال الماوردي واستظهره أبو حيان: إن الضمائر للمتنازعين في حديثهم قبل ظهورهم عليهم فيكون قد أخبر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بما كان من اختلاف قومهم في عدم، ولا يخفى أنه يبعد هذا القول من حكاية تلك الأقوال بصيغة الاستقبال مع تعقيبها بقوله تعالى: * (قل ربي أعلم بعدتهم) * (الكهف: 22) وقد تقدم رواية أن القوم حين أتوا باب الكهف مع المبعوث لاشتراء الطعام قال: دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم فدخل وعمى على القوم أثرهم، وفي رواية أنهم كلما أراد أن يدخل عليهم أحد منهم رعبوا فتركوا وبنى عليهم مسجد، فلو قيل على هذا: إن الضمائر للمعثرين اختلفوا في عددهم لعدم تمكنهم من رؤيتهم والاجتماع معهم فقال كل طائفة منهم ما قالت، ولعل الطائفة الأخيرة استخبرت الفتى فأخبرها بتلك العدة فصدقته وأخذت كلامه بالقبول وتأيد بما عندهم من أخبار أسلافهم فقالت ذلك عن يقين ورجمت الطائفتان المتقدمتان لعدم ثبوت ما يفيد العلم عندهما ولعلهما كانتا كافرتين لم يبعد بعد ما نقل عن الماوردي فتدبر. ومن غريب ما قيل: إن الضمير في * (يقولون سبعة) * لله عز وجل والجمع للتعظيم. وأسماؤهم على ما صح عن ابن عباس مكسلمينا ويمليخا ومرطولس وثبيونس ودردونس وكفاشيطيطوس ومنطنواسيس وهو الراعي والكلب اسمه قطمير، وروى عن علي كرم الله تعالى وجهه أن أسمائهم يمليخا ومكشلينيا ومثلينيا وهؤلاء أصحاب يمين الملك ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش وهؤلاء أصحاب يساره وكان يستشير الستة والسابع الراعي، ولم يذكر في هذه الرواية اسمه، وذكر فيها أن اسم كلبهم قطمير، وفي صحة نسبة هذه الرواية لعلي كرم الله تعالى وجهه مقال، وذكر العلامة السيوطي في " حواشي البيضاوي " أن الطبراني روى ذلك عن ابن عباس في معجمه الأوسط بإسناد صحيح.
والذي في " الدر المنثور " رواية الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح ما قدمناه عن ابن عباس والله تعالى أعلم.
وقد سموا في بعض الروايات بغير هذه الأسماء، وذكر الحافظ ابن حجر في " شرح البخاري " أن في النطق بأسمائهم اختلافا كثيرا ولا يقع الوثوق من ضبطها. وفي البحر أن أسماء أصحاب الكهف أعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط والسند في معرفتها ضعيف، وذكروا لها خواصا فقال النيسابوري عن ابن عباس: إن أسماء أصحاب الكهف تصلح للطلب والهرب وإطفاء الحريق تكتب في خرقة ويرمى بها في وسط النار ولبكاء الطفل تكتب وتوضع تحت رأس في المهد وللحرث تكتب على القرطاس ويرفع على خشب منصوب في وسط الزرع
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»