وأخرج أبو حاتم عن السدى أن الملك قال: لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسجدا فلأعبدن الله تعالى فيه حتى أموت، وعن الحسن أنه اتخذ ليصلي فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا، وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولا وإليه ذهب بعضهم بل قيل إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره ولا معول على ذلك وهو عندي أشبه شيء بالخرافات. ثم لا يخفى أنه على القول بأن الطائفة الأولى الطالبة لبناء البنيان عليهم إذا كانت كافرة لم تكن غاية الاعثار متحققة في جميع المعثرين، ولا يتعين كون * (ربهم أعلم بهم) * مساقا لتعظيم أمر أصحاب الكهف، ولعل تلك الطائفة لم تتحقق حالهم وأنهم ناموا تلك المدة ثم بعثوا فطلبت انطماس الكهف عليهم وأحالت أمرهم إلى ربهم سبحانه والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. وقرأ الحسن. وعيسى الثقفي * (غلبوا) * بضم الغين وكسر اللام على أن الفعل مبني للمفعول، ووجه بذلك بأن طائفة من المؤمنين المعثرين أرادت أن لا يبني عليهم شيء ولا يتعرض لموضعهم وطائفة أخرى منهم أرادت البناء وأن لا يطمس الكهف فلم يمكن للطائفة الأولى منعها ووجدت نفسها مغلوبة فقالت: إن كان بنيان ولا بد فلنتخذن عليهم مسجدا.
هذا واستدل بالآية على جواز البناء على قبور الصلحاء واتخاذ مسجد عليها وجواز الصلاة في ذلك. وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي وهو قول باطل عاطل فاسد كاسد، فقد روي أحمد. وأبو داود. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الله تعالى زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " ومسلم " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " واحمد عن أسامة وهو الشيخان. والنسائي عن عائشة، ومسلم عن أبي هريرة: " لعن الله تعالى اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " وأحمد. والشيخان. والنسائي " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق يوم القيامة " وأحمد. والطبراني " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد " وعبد الرزاق " من شرار أمتي من يتخذ القبور مساجد " وأيضا " كانت بنوا اسرائيل اتخذوا القبور مساجد فلعنهم الله تعالى " إلى غير ذلك من الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة.
وذكر ابن حجر في الزواجر أنه وقع في كلام بعض الشافعية عد اتخاذ القبور مساجد والصلاة إليها واستلامها والطواف بها ونحو ذلك من الكبائر، وكأنه أخذ ذلك مما ذكر من الأخاديث، ووجه اتخاذ القبر مسجدا واضح لأنه عليه الصلاة والسلام لعن من فعل ذلك في قبور الأنبياء عليهم السلام وجعل من فعل ذلك بقبور الصلحاء شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة ففيه تحذير لنا، واتخاذ القبر مسجدا معناه الصلاة عليه أو إليه وحينئذ يكون قوله والصلاة إليها مكررا إلا أن يراد باتخاذها مساجد الصلاة عليها فقط، نعم إنما يتجه هذا الأخذ إن كان القبر قبر معظم من نبي أو ولي كما أشارت إليه رواية: " إذا كان فيهم الرجل الصالح " ومن ثم قال أصحابنا: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركا وإعظاما فاشترطوا شيئين أن يكون قبر معظم وأن يقصد الصلاة إليها، ومثل الصلاة عليه التبرك والاعظم، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهر من الأحاديث، وكأنه قاس عليه كل تعظيم للقبر كإيقاد السرج عليه تعظيما له وتبركا به والطواف به كذلك وهو أخذ غير بعيد سيما وقد صرح في بعض الأحاديث المذكورة بلعن من اتخذ على القبر سراجا فيحمل قول الأصحاب بكراهة ذلك على ما إذا لم يقصد به تعظيما وتبركا بذي القبر.