تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٢
* (ولن تفلحوا إذا أبدا) * أي إن دخلتم فيها حقيقة ولو بالكره والإلجاء لن تفوزوا بخير لا في الدنيا ولا في الآخرة، ووجه الارتباط على هذا أن الإكراه على الكفر قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسانه والاستمرار عليه، وبما ذكر سقط ما قيل إن إظهار الكفر بالإكراه مع إبطان الإيمان معفو في جميع الأزمان فكيف رتب عليه عدم الفلاح أبدا، ولا حاجة إلى القول بأن إظهار الكفر مطلقا كان غير جائز عندهم، ولا إلى حمل * (يعيدوكم في ملتهم) * على يميلوكم إليها بالإكراه وغيره فتدبر، ثم إن الفتية بعثوا أحدهم وكان على ما قال غير واحد يمليخا فكان ما أشار الله تعالى إليه بقوله سبحانه.
* (وكذالك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتن‍ازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بني‍انا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) * * (وكذلك أعثرنا عليهم) * أي كما أنمناهم وبعثناهم فالإشارة إلى الإنامة والبعث والإفراد باعتبار ما ذكر ونحوه.
وقال العز بن عبد السلام في أماليه: الإشارة إلى البعث المخصوص وهو البعث بعد تلك الإنامة الطويلة، وأصل العثور كما قال الراغب السقوط للوجه يقال عثر عثورا وعثارا إذا سقط لوجهه، وعلى ذلك قولهم في المثل الجواد لا يكاد يعثر، وقولهم من سلك الجدد أمن العثار ثم تجوز به في الاطلاع على أمر من غير طلبه.
وقال الإمام المطرزي: لما كان كل عاثر ينظر إلى موضع عثرته ورد العثور بمعنى الاطلاع والعرفان فهو في ذلك مجاز مشهور بعلاقة السببية وإن أوهم ذكر اللغويين له أنه حقيقة في ذلك، وجعله الغوري حقيقة في الاطلاع على أمر كان خفيا وأمر التجوز على حاله، ومفعول * (أعثرنا) * الأول محذوف لقصد العموم أي وكذلك أطلعنا الناس عليهم.
وقال أبو حيان: أهل مدينتهم * (ليعلموا) * أي الذين أطلعناهم عليهم بما عاينوا من أحوالهم العجيبة * (أن وعد الله) * أي وعده سبحانه وتعالى بالبعث على أن الوعد بمعناه المصدري ومتعلقه مقدر أو موعوده تعالى شأنه الذي هو البعث على أن المصدر مؤول باسم المفعول المراد موعوده المعهود، ويجوز أن يراد كل وعده تعالى أو كل موعوده سبحانه ويدخل في ذلك ما ذكر دخولا أوليا * (حق) * صادق لا خلاف فيه أو ثابت متحقق سيقع ولا بد قيل لأن نومهم الطويل المخالف للمعتاد وانتباههم كالموت والبعث.
* (وأن الساعة) * أي القيامة التي هي في لسان الشرع عبارة عن وقت بعث الخلائق جميعا للحساب والجزاء.
* (لا ريب فيها) * أي ينبغي أن لا يرتاب الآن في إمكان وقوعها لأنه لا يبقى بيد المرتابين في ذلك بعد النظر والبحث سوى الاستناد إلى الاستبعاد وعلمهم بوقوع ذلك الأمر الغريب والحال العجيب الذي لو سمعوه ولم يتحققوا وقوعه لاستبعدوه وارتابوا فيه ارتيابهم في ذلك يكسر شوكة ذلك الاستبعاد ويهدم ذلك الاستناد فينبغي حينئذ أن لا يرتابوا.
وقال بعض المحققين في توجيه ترتب العلم بما ذكر على الطلاع: إن من شاهد أنه جل وعلا توفى نفوسهم وأمسكها ثلثمائة سنة وأكثر حافظا أبدانها من التحلل والتفتت ثم أرسلها إليها لا يبقى معه شائبة شك في أن وعده تعالى حق وأنه تعالى يبعث من في القبول فيرد عليهم أرواحهم فيحاسبهم ويجازيهم بحسب أعمالهم اه‍.
وأنت تعلم أن في استفادة العلم بالمحاسبة والمجازاة من الاطلاع على حال القوم نظرا. واعترض بأن المطلوب في البعث إعادة الأبدان بعد تفرق أجزائها وما في القصة طول حفظ الأبدان وأين هذا من ذاك؟ والقول بأنه
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»