تعلق لتقرأه بفرقناه وعلى الناس بتقرأه وعلى مكث به أيضا إلا أن فيه تعلق حرفي جر بمعنى بمتعلق واحد.
وأجيب بأن تعلق الثاني بعد اعتبار تعلق الأول به فيختلف المتعلق، وفي " البحر " لا يبالي بتعلق هذين الحرفين بما ذكر لاختلاف معناهما لأن الأول في موضع المفعول به والثاني في موضع الحال أي متمهلا مترسلا، ولما في ذلك من القيل والقال اختار بعضهم تعلقه بفرقناه، وجوز الخفاجي تعلقه بمحذوف أي تفريقا أو فرقا على مكث أو قراءة على مكث منك كمكث تنزيله، وجعله أبو البقاء في موضع الحال من الضمير المنصوب في فرقناه أي متمكثا. ومن العجيب قول الحوفي أنه بدل من * (على الناس) * وقد تعقبه أبو حيان بأنه لا يصح لأن * (على مكث) * من صفات القارىء أو من صفات المقروء وليس من صفات الناس ليكون بدلا منهم، والمكث مثلث الميم وقرىء بالضم والفتح ولم يقرأ بالكسر وهو لغة قليلة، وزعم ابن عطية إجماع القراء على الضم.
* (ونزلناه تنزيلا) * على حسب الحوادث والمصالح فذكر هذا بعد قوله تعالى: * (فرقناه) * الخ مفيد وذلك لأن الأول دال على تدريج نزوله ليسهل حفظه وفهمه من غير نظر إلى مقتض لذلك وهذا أخص منه فإنه دال على تدريجه بحسب الاقتضاء.
* (قل ءامنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا) * * (قل) * للذين كفروا * (آمنوا به) * أي بالقرآن * (أو لا تؤمنوا) * أي به على معنى أن إيمانكم به وعدم إيمانكم به سواء لأن إيمانكم لا يزيده كمالا وعدم إيمانكم لا يورثه نقصا. * (إن الذين أوتو العلم من قبله) * أي العلماء الذين قرؤوا الكتب السالفة من قبل تنزل القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة وتمكنوا من تمييز الحق والباطل والمحق والمبطل أو رأوا نعتك ونعت ما أنزل إليك * (إذا يتلى) * أي القرآن * (عليهم يخرون للأذقان) * الخرور السقوط بسرعة، والأذقان جمع ذقن وهو مجتمع اللحيين ويطلق على ما ينبت عليه من الشعر مجازا وكذا يطلق على الوجه تعبيرا بالجزء عن الكل قيل وهو المراد وروي عن ابن عباس فكأنه قيل يسقطون بسرعة على وجوههم * (سجدا) * تعظيما لأمر الله تعالى أو شكرا لإنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثتك؛ والظاهر أن هنا خرورا وسجودا على الحقيقة، وقيل: لا شيء من ذلك وإنما المقصود أنهم ينقادون لما سمعوا ويخضعون له كمال الانقياد والخضوع فاخرج الكلام على سبيل الاستعارة التمثيلية، وفسر الخرور للأذقان بالسقوط على الوجوه الزمخشري ثم قال: وإنما ذكر الذقن لأنه أول ما يلقى الساجد به الأرض من وجهه، وقيل: فيه نظر لأن الأول هو الجبهة والأنف ثم وجه بأنه إذا ابتدأ الخرور فاقرب الأشياء من وجهه إلى الأرض هو الذقن، وكأنه أريد أول ما يقرب من اللقاء، وجوز أن تبقى الأذقان على حقيقتها والمراد المبالغة في الخشوع وهو تعفير اللحا على التراب أو أنه ربما خروا على الذقن كالمغشي عليهم لخشية الله تعالى، وقيل: لعل سجودهم كان هكذا غير ما عرفناه وهو كما ترى.
وقال صاحب الفرائد المراد المبالغة في التحامل على الجبهة والأنف حتى كأنهم يلصقون الأذقان بالأرض وهو وجه حسن جدا واللام على ما نص عليه الزمخشري للاختصاص وذكر أن المعنى جعلوا أذقانهم للخرور واختصوها به.
ومعنى هذا الاختصاص على ما في " الكشف " أن الخرور لا يتعدى الأذقان إلى غيرها من الأعضاء المقابلة وحقق ذلك بما لا مزيد عليه. واعترض القول بالاختصاص بأنه مخالف لما سبق من قوله: إن الذقن أول ما يلقى الساجد به الأرض وأجيب بما أجيب. وتعقبه الخفاجي بأنه مبني على أن الاختصاص الذي تدل عليه اللام بمعنى