تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٧٢
إلى ذلك.
* (قل لو كان فى الارض مل‍ائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السمآء ملكا رسولا) * * (قل) * لهم أولا من قبلنا تبيينا للحكمة وتحقيقا للحق المزيح للريب * (لو كان) * أي لو وجد * (في الأرض) * بدل البشر * (ملئكة يمشون) * كما يمشي البشر ولا يطيرون إلى السماء فيسمعوا من أهلها ويعلموا ما يجب علمه * (مطمئنين) * ساكنين مقيمين فيها، وقال الجبائي: أي مطمئنين إلى الدنيا ولذاتها غير خائفين ولا متعبدين بشرع لأن المطمئن من زال الخوف عنه * (لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) * يعلمهم ما لا تستقل قدرهم بعلمه ليسهل عليهم الاجتاع به والتلقي منه وأما عامة البشر فلا يسهل عليهم ذلك لبعد ما بين الملك وبين فلا يبعث إليهم وإنما يبعث إلى خواصهم لأن الله تعالى قد وهبهم نفوسا زكية وأيدهم بقوى قدسية وجعل لهم جهتين جهة ملكية بها من الملك يستفيضون وجهة بشرية بها على البشر يفيضون، وجعل كل البشر كذلك مخل بالحكمة، وإنزال الملك عليهم على وجه يسهل التلقي منه بأن يظهر لهم بصورة بشر كما ظهر جبريل عليه السلام مرارا في صورة دحية الكلبي. وقد صح أن إعرابيا جاء وعليه أثر السفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وغيرها فأجابه عليه الصلاة والسلام بما أجابه ثم انصرف ولم يعرفه أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم مما لا يجدي نفعا لأولئك الكفرة كما قال تعالى جده * (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون) * (الأنعام: 9) وقيل علة تنزيل الملك عليهم أن الجنس إلى الجنس أميل وهو به آنس، ولعل الأول أولى وإن زعم خلافه.
وحكى الطبرسي عن بعضهم أنه قال في الآية: إن العرب قالوا كنا ساكنين مطمئنين فجاء محمد صلى الله عليه وسلم فازعجنا وشوش علينا أمرنا فبين سبحانه أنه لو كان ملائكة مطمئنين لاوجبت الحكمة إرسال الرسل إليهم ولم يمنع اطمئنانهم الإرسال فكذلك الناس لا يمنع كونهم مطمئنين إرسال الرسل إليهم، وأنت تعلم أن هذا بمراحل عن السياق ولا يصح فيه أثر كما لا يخفى على المتتبع.
ونصب * (ملكا) * يحتمل أن يكون على الحالية من رسولا صفة له، وكذا الكلام في قوله تعالى أبعث الله بشرا رسولا، ورجح غير واحد الأول بأنه أكثر موافقة للمقام وأنسب، ووجه ذلك القطب وصاحب التقريب بأنه على الحالية يفيد المقصود بمنطوقه وعلى الوصفية يفيد خلاف المقصود بمفهومه، أما الأول: فلأن منطوقه ابعث الله تعالى رسولا حال كونه بشرا لا ملكا ولنزلنا عليهم رسولا حال كونه ملكا لا بشرا وهو المقصود، وأما الثاني: فلأن التقييد بالصفة يفيد أبعث الله تعالى بشرا مرسلا لا بشرا غير مرسل ولنزلنا عليهم ملكا مرسلا لا ملكا غير مرسل وهو خلاف المقصود بل غير مستقيم، وقال " صاحب الكشف " تبعا لشيخه العلامة الطيبي في ذلك: لأن التقديم إزالة عن موضعه الأصلي دلالة على أنه مصب الإنكار في الأول أعني أبعث الله بشرا رسولا فيدل على أن البشرية منافية لهذا الثابت - أعني الرسالة - كما تقول أضربت قائما زيدا ولو قلت أضربت زيدا قائما أو القائم لم يفد تلك الفائدة لأن الأول يفيد أن المنكر ضربه قائما لا الضرب مطلقا، والثاني يفيد أن المنكر ضرب زيد لاتصافه بهذه المانعة ولا يفيد أن أصل الضرب حسن ومسلم والجهة منكرة هذا إن جعل التقديم للحصر
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»