تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٦٤
يوم القيامة. والفلاسفة قالوا لا يجوز أن تتعلق نفس واحدة بأبدان كثيرة لأنه يلزم أن يكون معلوم أحدها معلوم الآخر ومجهول أحدها مجهول الآخر ومعلوم أن الأمر ليس كذلك، ولا يخفى أن هذا الدليل يدل على أن كل إنسانين يعلم أحدهما ما لا يعلم الآخر فإن نفسهما متغايرتان فلم لا يجوز وجود إنسانين يتعلق ببدنهما نفس واحدة ويكون كل ما علمه أحدهما علمه الآخر لا محالة وما يجهله أحدهما يكون مجهولا للآخر لا بد الجواز من دليل، وعلى ما ذكره هؤلاء الصوفية يجوز أن تتعلق الروح ببدن في الجنة وببدن آخر حيث شاء الله تعالى بل يجوز أن تظهر في صور شتى في أماكن متعددة على حد ما قالوه في جبريل عليه السلام انه في حال ظهوره في صورة دحية أو أعرابي غيره بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق سدرة المنتهى، وأنت تعلم ما يقولون في تجلي الله تعالى في الصور وسمعت خبر " إن الله تعالى خلق آدم على صورته " ومن هنا قالوا: من عرف نفسه فقد عرف ربه فافهم الإشارة ولعمري هي عبارة، ثم إن أرواح سائر الحيوانات من البهائم ونحوها قيل: تكون بعد المفارقة في الهواء ولا اتصال لها بالأبدان، وقيل: تعدم ولا يعجز الله تعالى شيء، ومن الناس من قال: إن كان للحيوانات حشر يوم القيامة كما هو المشهور الذي تقتضيه ظواهر الآيات والأخبار فالأولى أن يقال ببقاء أرواحها في الهواء أو حيث شاء الله تعالى وإن لم يكن لها حشر كما ذهب إليه الغزالي وأول الظواهر فالأولى أن يقال بانعدامها، هذا وبقيت أبحاث كثيرة تركناها لضيق القفص واتساع دائرة الغصص، ولعل فيما ذكرناه هنا مع ما ذكرناه فيما قبل كفاية لأهل البداية وهداية لمن ساعدته العناية والله عز وجل ولي الكرم والجود، ومنه سبحانه بدء كل شيء وإليه جل وعلا يعود.
* (ولئن شئنا لنذهبن بالذى أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) * * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) * من القرآن الذي هو شفاء ورحمة للمؤمنين والذي ثبتناك عليه حين كادوا يفتنونك عنه إلى غير ذلك من أوصافه التي يشعر بها السياق، وإنما عبر عنه بالموصول تفخيما لشأنه ووصفا له بما في حيز الصلة ابتداء إعلاما بحاله من أول الأمر وبأنه ليس من قبيل كلام المخلوق، واللام الأولى موطئة للقسم * (ولنذهبن) * جوابه النائب مناب جزاء الشرط فهو مغن عن تقديره وليس جزاء لدخول اللام عليه وهو ظاهر وبذلك حسن حذف مفعول المشيئة، والمراد بالذهاب به محوه عن المصاحف والصدور وهو أبلغ من الأفعال، ويراد على هذا من القرآن على ما قيل صورته من أن تكون في نقوش الكتابة أو في الصور التي في القوة الحافظة * (ثم لا تجد لك به) * أي القرآن * (علينا وكيلا) * أي متعهدا وملتزما استرداده بعد الذهاب به كما يلتزم الوكيل ذلك فيما يتوكل عليه حال كونه متوقعا أن يكون محفوظا في السطور والصدور كما كان قبل فالوكيل مجاز عما ذكر.
* (إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا) * * (إلا رحمة من ربك) * استثناء منقطع على ما اختاره ابن الأنباري. وابن عطية. وغيرهما وهو مفسر بلكن في المشهور، والاستدراك على ما صرح به الطيبي. وغيره. واقتضاه ظاهر كلام جمع عن قوله تعالى: * (وإن شئنا لنذهبن) * وقال في الكشف: إنه ليس استدراكا عن ذلك فإن المستثنى منه * (وكيلا) * وهذا من المنقطع الممتنع إيقاعه موقع الاسم الأول الواجب فيه النصب في لغتي الحجاز وتميم كما في قوله تعالى: * (لا عاصم اليوم من أمر الله) * (هود: 43) إلا من رحم في رأي، وقولهم: لا تكونن من فلان إلا سلاما بسلام فقد صرح الرضى وغيره بأن الفريقين يوجبون النصب ولا يجوزون الإبدال في المنقطع فيما لا يكون قبله اسم يصح حذفه، وكون
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»