تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٦٢
فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح قلت لجبريل من هذا قال آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه وأهل اليمين هم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار. ويجاب بأن المراد أنه عليه السلام يرى هذين الصنفين من جهة يمينه وجهة شماله وهو يجامع كون أرواح كل فريق في مستقرها من الجنة والنار فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار في صلاة الكسوف وهو في الأرض والجنة ليست فيها ورآهما وهو في السماء والنار ليست فيها، وفي حديث لأبي هريرة في الإسراء ما يؤيد ما قلنا. والنسفي في بحر الكلام جعل الأرواح على أربعة أقسام أرواح الأنبياء عليهم السلام تخرج من جسدها ويصير مثل صورتها مثل المسك والكافور وتكون في الجنة تأكل وتشرب وتتنعم وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش، وأرواح الشهداء تخرج من جسدها وتكون في أجواف طير خضر في الجنة تأكل وتتنعم وتأوي إلى قناديل كأرواح الأنبياء عليهم السلام، وأرواح المطيعين من المؤمنين بربض الجنة لا تأكل ولا تتمتع ولكن تنظر إلى الجنة، وأرواح العصاة منهم تكون بين السماء والأرض في الهواء، وأما أرواح الكفار ففي سجين في جوف طير سود تحت الأرض السابعة وهي متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح وتتألم من ذلك الأجساد اه‍. وما ذكره في أرواح المطيعين مخالف لما صح من أنها تتمتع في الجنة. وفي الإفصاح أن المنعم من الأرواح على جهات مختلفة منها ما هو طائر في شجر الجنة ومنها ما هو في حواصل طير خضر ومنها ما يأوى إلى قناديل تحت العرش ومنها ما هو في حواصل طير بيض ومنها ما هو في حواصل طير كالزرازير، ومنها ما هو في أشخاص صور من صور الجنة ومنها ما هو في صورة تخلق من ثواب أعمالهم ومنها ما تسرح وتتردد إلى جثتها وتزورها ومنها ما تتلقى أرواح المقبوضين وممن سوى ذلك ما هو في كفالة ميكائيل عليه السلام ومنها ما هو في كفالة آدم عليه السلام ومنها ما هو في كفالة إبراهيم عليه السلام اه‍، قال القرطبي: وهذا قول حسن يجمع الأخبار حتى لا تتدافع واترضاه الجلال السيوطي.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك قال: بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت وهو إن صح ليس على إطلاقه.
وقيل في مستقر الأرواح غير ذلك حتى زعم بعضهم أن مستقرها العدم المحض وهو مبني على أنها من الأعراض وهي الحياة وهو قول باطل عاطل فاسد كاسد يرده الكتاب والسنة والإجماع والعقل السليم، ويعجبني في هذا الفصل ما ذكره الإمام العارف ابن برحان في شرح أسماء الله تعالى الحسنى حيث قال: والنفس مبراة من باطن ما خلق منه الجسم وهي روح الجسم وأوجد تبارك وتعالى الروح من باطن ما برأ منه النفس وهو للنفس بمنزلة النفس للجسم والنفس حجابة والروح يوصف بالحياة بإحياء الله تعالى شأنه له وموته خمود إلا ما شاء الله تعالى يوم خمود الأرواح والجسم يوصف بالموت حتي يحيي بالروح وموته مفارقة الروح إياه وإذا فارق هذا العبد الروحاني الجسم صعد به فإن كان مؤمنا فتحت له أبواب السماء حتى يصعد إلى ربه عز وجل فيؤمر بالسجود فيسجد ثم يجعل حقيقته النفسانية تعمر السفل من قبره إلى حيث شاء الله تعالى من الجو وحقيقته الروحانية تعمر العلو من السماء الدنيا إلى السابعة في سرور ونعيم ولذلك لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام قائما في قبره يصلي وإبراهيم عليه السلام تحت الشجرة قبل صعوده إلى السماء الدنيا ولقيهما في السموات العلى فتلك أرواحهما وهذه نفوسهما وأجسادهما في قبورهما، وإن كان شقيا لم يفتح له فرمى من علو إلى الأرض اه‍، وفيه القول
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»