تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٣٧
يفيده حديث الترمذي وغيره والله تعالى أعلم، ثم إن صلاة الفجر وإن كانت إحدى الصلوات الخمس التي فرضت ليلة الإسراء عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته ودلت هذه الآية على وجوب إقامتها كذلك إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم يصلها صبح تلك الليلة لعدم العلم بكيفيتها حينئذ وإنما علم الكيفية بعد.
وقد قدمنا قريبا أن البداءة وقعت في صلاة الظهر إشارة إلى أن دينه عليه الصلاة والسلام سيظهر على الأديان ظهورها على بقية الصلوات، ونوه سبحانه هنا بشأن صلاة الفجر بقوله عز وجل:
* (إن قرءان الفجر) * حيث لم يقل سبحانه إنه * (كان مشهودا) * أخرج أحمد. والنسائي. وابن ماجه. والترمذي. والحاكم وصححاه وجماعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسير ذلك: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وفي الصحيحين عنه رضي الله عنه أنه قال: " قال النبي صلى الله عليه وسلم تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ثم قال أبو هريرة: " اقرأوا إن شئتم * (وقرآن الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا) *.
والمراد بهؤلاء الملائكة الكتبة والحفظة فتنزل ملائكة النهار وتصعد ملائكة الليل وتلتقي الطائفتان في ذلك الوقت، وكذا تلتقي الطائفتان وأمر النزول والصعود على العكس وقت العصر كما جاء في الآثار، وهذا مما يعكر على الإمام في زعمه أن هذا أيضا دليل قوي على أن التغليس أفضل من التنوير لأن الإنسان إذا شرع في الصلاة من أول الصبح يكون ملائكة الليل حاضرين لبقاء الظلمة فإذا امتدت الصلاة بسبب ترتيب القراءة وتكثيرها زالت الظلمة وظهر الضوء وحضر ملائكة النهار فإنه يلزمه على هذا البيان الذي لا يروج إلا على الصبيان القول بأن تأخير صلاة العصر إلى أن يزول الضوء وتظهر الظلمة وهو لا يقول به بل لا يقول به أحد.
وهل الطائفة التي تشهد اليوم مثلا تشهد غدا أو كل يوم تشهد طائفة أخرى لم تشهد قبل ولا تشهد بعد فيه خلاف، وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى فيما يتعلق بذلك.
وقيل يشهد الكثير من المصلين في العادة، وقيل من حقه أن تشهده الجماعة الكثيرة، وقيل تشهده وتحضر فيه شواهد القدرة من تبدل الضياء بالظلمة والانتباه بالنوم الذي هو أخو الموت، وهو احتمال أبداه الإمام وبسط الكلام فيه، قم قال: وهذا هو المراد من قوله تعالى: * (إن قرءان الفجر كان مشهودا) * ثم ذكر احتمال كون المراد مشهودا بالجماعة الكثيرة وبسط الكلام أيضا في تحقيقه، وأنت تعلم أنه لا وجه للحصر المدلول عليه بقوله: وهذا هو المراد ثم إبداء ذلك الاحتمال على أنه بعدما صح تفسير النبي صلى الله عليه وسلم له بما سمعت لا ينبغي أن يقال في غيره هذا هو المراد، ولا يخفى ما في هذه الجملة من الترغيب والحث على الاعتناء بأمر صلاة الفجر لأن العبد في ذلك الوقت مشيع كراما ومتلقى كراما فينبغي أن يكون على أحسن حال يتحدث به الراحل ويرتاح له النازل.
* (ومن اليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * * (ومن الليل) * قيل أي وعليك بعض الليل، وظاهره أنه من باب الإغراء كما نقل عن الزجاج. وأبي البقاء في قوله تعالى: * (وقرآن الفجر) * وتعقبه أبو حيان بأن المغرى به لا يكون حرفا، ولا يجدي نفعا كون من للبعيض لأن ذلك لا يجعلها اسما ألا ترى إجماع النحاة على أن واو مع حرف وان قدرت بمع. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون القائل بذلك قائلا باسمية * (من) * في مثل ذلك كما قالوا باسمية الكاف في نحو * (فجعلهم كعصف مأكول) * (الفيل: 5) وعن في نحو. من عن يميني تارة وشمالي، وعلى نحو من عليه، وكذا القائل بأن ذلك نصب على
(١٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 ... » »»