تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ١٣٤
عادة وهو قول ابن سيرين. وأشهب من أصحاب مالك. وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الإمام الشافعي، وعن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر. ويؤيده ظاهر ما صح عن ابن عباس. ورواه مسلم أيضا أنه لما قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قيل له: لم فعل ذلك؟ فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته وهو من الحرج بمعنى المشقة فلم يعلله بمرض ولا غيره، ويعلم مما ذكرنا أن قول الترمذي في آخر كتابه ليس في كتابي حديث أجمعت الأمة على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر وحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة ناشىء من عدم التتبع، نعم ما قاله في الحديث الثاني صحيح فقد صرحوا بأنه حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه.
وقال ابن الهمام: إن حديث ابن عباس معارض بما في مسلم من حديث ليلة التعريس أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى " وللبحث في ذلك مجال.
ومذهب الإمام أبي حنيفة عدم جواز جمع صلاتي الظهر والعصر في وقت إحداهما والمغرب والعشاء كذلك مطلقا إلا بعرفات فيجمع فيها بين الظهر والعصر بسبب النسك وإلا بمزدلفة فيجمع فيها بين المغرب والعشاء بسبب ذلك أيضا واستدل بما استدل. وفي " الصحيحين " وسنن أبي داود وغيره ما لا يساعده على التخصيص، وأنت تعلم أن الاحتياط فيما ذهب إليه الإمام رضي الله تعالى عنه فالمحتاط لا يخرج صلاة الظهر مثلا عن وقتها المتيقن الذي لا خلاف فيه إلى وقت فيه خلاف، وقد صرح غير واحد بأنه إذا وقع التعارض يقدم الأحوط وتعارض الأخبار في هذا الفصل مما لا يخفى على المتتبع، هذا وزعم بعضهم أن المراد بالصلاة المأمور بإقامتها صلاة المغرب والتحديد المذكور بيان لمبدأ وقتها ومنتهاه على أن الغاية خارجة واستدل به على امتداده إلى غروب الشفق وهو خلاف ما ذهب إليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجديد من أنه ينقضي بمضي قدر زمن وضوء وغسل وتيمم، وطلب خفيف وإزالة خبث مغلظ يعم البدن والثوب والمحل وستر عورة واجتهاد في القبلة وأذان وإقامة وألحق بهما سائر سنن الصلاة المتقدمة كتعمم وتقمص ومشي لمحل الجماعة وأكل جائع حتى يشبع وسبع ركعات ولعل الزمان الذي يسع كل هذا يزيد على زمن ما بين غروب الشمس وغروب الشفق أي شفق كان في أكثر الاعراض، ثم لا يخفى أنه إذا كان المراد من غسق الليل وقت العشاء وفسر الغسق باجتماع الظلمة وشدتها كان ذلك مؤيدا لما في ظاهر الرواية عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من أن أول وقت العشاء حين يغيب الشفق وهو اللغة الحمرة المعلومة لأن تفسيره بالبياض قد جاء أيضا، وروي ذلك عن أبي بكر الصديق. وعمر. ومعاذ بن جبل. وعائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ورواه عبد الرازق عن أبي هريرة وعن عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي. والمزني. وابن المنذر. والخطابي، واختاره المبرد: وثعلب، وما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول وقت العشاء حين يغيب الأفق " ظاهر في كون الشفق البياض إذ لا غيبوبة للأفق إلا بسقوطه؛ نعم ذهب
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»